
رعايت الله فاروقي
قبل كل شيء، ينبغي علينا طرح السؤال: هل بإمكان أمريكا وحلفائها الدخول في حرب مع إيران؟ لفهم ذلك يجب أولاً تحليل الوضع الراهن في إيران. فالصراع بين أي دولتين لا يجذب انتباه المواطنين العاديين فقط، بل يهم أيضاً وكالات الاستخبارات والمنظمات الدولية.
من الضروري تحديد أي الأطراف يتمتع بموقف قانوني وأخلاقي قوي وأيها يعاني من ضعف في هذا الجانب. فعندما تتدخل الدبلوماسية لدرء الحرب، يتوجه الضمير العالمي بشكل طبيعي نحو الدولة التي تحظى بموقف أخلاقي وقانوني راسخ.
على سبيل المثال، لو اعتبرنا أن ما حدث في 7 أكتوبر 2023 هو أن إسرائيل كانت ضحية لعدوان لكان من الأفضل لها التريث وانتظار تحقيق العدالة عبر الأمم المتحدة بدلاً من التسرع في الرد على غزة. في هذه الحالة، كان على غزة أن تقبل بذلك. ومع ذلك، فإن سعي إسرائيل للانتقام بدلاً من اتخاذ هذا الخيار أفقدها موقفها الأخلاقي. وهكذا تجد إسرائيل نفسها الآن أمام محكمة العدل الدولية بتهمة ارتكاب جرائم حرب. وقد تكون النتيجة الإيجابية لهذا الوضع هي خروج ملايين الأشخاص حول العالم في مظاهرات ضدها وتضامنهم بطرق مختلفة لدعم شعب غزة. والآن دعونا نلقي نظرة على موقف إيران في هذا السياق.
لابد أنك سمعت من الخبراء عبارة: “للحروب قواعد” أكثر من مرة. عادةً ما توحي هذه العبارة بقواعد الحرب، لكن المسألة ليست بهذه البساطة. يجب الالتزام بقوانين الحرب لأن أي انتهاك قد يُعتبر جريمة حرب. كما أشرنا هناك مبادئ أخلاقية معينة يجب اتباعها. وعند الحديث عن هذه المبادئ نجد أن إيران ووكلائها لا يزالون يحتفظون بتفوقهم على إسرائيل. إن الالتزام بهذه المبادئ يعكس أنك لست مجرد كيان عدواني، بل دولة تتبنى قيمًا وأخلاقيات في ساحة المعركة. دعنا نستعرض بعض الأمثلة التي توضح كيف تحافظ إيران ووكلاؤها على تفوقهم.
لنلق نظرة على النقطة الأولى: خلال فترة النزاع مع غزة قامت إسرائيل بتحدي إيران عدة مرات، لكن إيران لم ترد بأي شكل من أشكال التحدي و بدلاً من ذلك أظهرت صبرًا وحكمة مما يعكس مسؤوليتها كدولة، وهذا يتعارض تمامًا مع ما تروج له وسائل الإعلام الغربية عنها. من المهم أن نتذكر أنه عندما شنت إيران هجومًا على إسرائيل العام الماضي لم تكن إسرائيل وحدها التي اتهمت إيران، بل شاركتها في ذلك وسائل الإعلام الغربية أيضًا. ومع ذلك لم تتردد إيران في نفي هذه الاتهامات الكاذبة بثقة وحزم وقد ثبت لاحقًا أنها كانت مخطئة.
النقطة الثانية تتعلق بالهجوم الذي شنته إسرائيل على قنصليتها في سوريا والذي أسفر عن مقتل العديد من الأشخاص. هنا تدخلت الولايات المتحدة بسرعة محاولةً السيطرة على الوضع مع إيران بشكل غير مباشر. هذه هي قواعد الحرب؛ عندما تكون لديك دولة ترتبط بها بعلاقات دبلوماسية وتطلب ردًا رادعًا دون إراقة دماء يجب عليك الالتزام بتلك الدبلوماسية وعدم رفض الطلب وهكذا تسير الأمور. لذا، ردًا على الهجوم في سوريا اتبعت إيران استراتيجية الردع، وفي الوقت نفسه استجابت لطلب الولايات المتحدة مما عزز انطباعها كدولة مسؤولة على الساحة الدولية، على الرغم من تعاونها مع دولة معادية مثل أمريكا. الآن لننظر إلى الوضع في لبنان؛ ففي الوقت نفسه الذي حدثت فيه الجريمة الشنيعة في طهران شنت إسرائيل هجومًا على لبنان والذي أسفر عن مقتل أحد الشخصيات البارزة.
لنأخذ بعين الاعتبار نقطة مهمة، لقد نفذت إسرائيل عمليتين: الأولى كانت اغتيال شخصية بارزة من حزب الله، والثانية تمثلت في انتهاك حرمة العاصمة بيروت. وفي سياق تصفية الحسابات قام حزب الله بقتل عقيد إسرائيلي بعيداً عن العاصمة. ومع ذلك لم تُغلق بعد حسابات بيروت، لذا شنت الوكالة هجوماً على مقر الموساد في تل أبيب، مع الحرص على تجنب أي خسائر في الأرواح، إذ يهدف هذا الهجوم إلى إضعاف أكبر وكالة استخبارات عالمية. وإذا حدثت خسائر في الأرواح هنا أيضاً فوفقاً لقواعد اللعبة سيكون ذلك مبالغاً فيه مما يتيح لإسرائيل فرصة لتصفية حساباتها.
بهذا الشكل نالت الوكالة إشادة مزدوجة من قبل خبراء العالم ذوي الوعي الاستراتيجي: الإشادة الأولى تتعلق بقدرتها على القضاء على هدف سري ومهم للعدو بالإضافة إلى امتلاكها المعلومات الاستخباراتية الضرورية في الوقت المناسب. أما الإشادة الثانية فكانت بسبب استهدافها لمقر الموساد حيث اقتصر الهجوم على انتهاك حرمة العاصمة تل أبيب دون أن يسفر عن أي خسائر في الأرواح. من الجدير بالذكر أن الهجوم على مقر الموساد تم التستر عليه من قبل وسائل الإعلام العالمية لذا قد لا يكون معروفًا للبعض وقد وقع هذا الهجوم الأسبوع الماضي (حسب تاريخ المصدر تم نشر المقال فيه).
لفهم هذه اللعبة بشكل أوضح يمكننا أن نستشهد بمثال من باكستان. هل تتذكر الهجوم الذي شنته الهند على “بالاكوت” في عام 2019؟ حينها أعلنت باكستان أنها خسرت العديد من الأشجار والغراب نتيجة لهذا الهجوم وأكدت أنها ستسعى لتصفية الحساب. وبما أنه لم يُسجل أي خسائر في الأرواح جراء الهجوم فقد حافظت باكستان على نفس النهج في هجومها المضاد، حيث لم تتسبب في أي إصابات على الأرض, لم تكن شخصيات مثل “أبهيناندان” ضمن أهداف باكستان، كما يبدو أن إيران ووكلائها ملتزمون بنفس المبادئ العالمية.
يبدو أن جريمة القتل في طهران لن تمر بلا حساب. وفقًا لقوانين اللعبة يمكننا التأكيد على أن الولايات المتحدة وحلفاءها في حالة تأهب دائم لرد فعل إيران، ولا يمكننا الافتراض أن إيران ستتجاهل عدم الرد. هذا الرد يبدو محتملاً للغاية والدليل على ذلك هو اختفاء رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو الذي لم يظهر منذ ثلاثة أسابيع إلا لفترة قصيرة واحدة، حيث كان في مخبأ تحت الأرض.
في نفس السياق، أفاد الاتحاد الأوروبي بشكل غير رسمي وسائل الإعلام العالمية بأن إيران لم تنكر بوضوح نيتها في الرد، بل أكدت أنها تخطط لشن هجوم قوي ودموي. من جانبها استخدمت إيران ورقة أخلاقية مهمة حيث أبدت استعدادها للتغاضي عن الهجوم الانتقامي بشرط أن تنهي إسرائيل الحرب وتنسحب تمامًا من غزة، من الجدير بالذكر أن إيران أوضحت أيضًا أنها لن تقبل بقرار وقف إطلاق النار ما لم يكن مقبولًا من قبل وصي غزة، وإذا لم يحصل القبول من جهته فلن يكون مقبولًا لدى إيران أيضًا.
عند النظر في النتائج المحتملة لهذه الاستراتيجية، يتضح أن إحدى هذه النتائج هي أن بنيامين نتنياهو الذي يتجنب الدعوات لوقف إطلاق النار قد يواجه ضغوطًا قوية من الولايات المتحدة وحلفائها للموافقة على ذلك، وهذا يعني أن إيران من خلال هذه الاستراتيجية، قد منحت جو بايدن فرصة جديدة للمطالبة بوقف إطلاق النار الذي عرقل نتنياهو مسعاه عبر توجيه هجومه نحو طهران. أما النتيجة الثانية المحتملة فهي أن وقف إطلاق النار قد يترتب عليه عواقب وخيمة على إسرائيل حيث من المحتمل أن تواجه هزيمة ساحقة تؤدي إلى بدء مرحلة من المحاسبة داخل البلاد. بالنسبة للنتيجة الثالثة فقد يعود السلام إلى غزة مما يمنح سكانها فرصة للبدء من جديد في حياتهم. أما النتيجة الرابعة فتشير إلى إمكانية تعزيز الانطباع بأن إيران ليست دولة تسعى للحروب بل تضع السلام في مقدمة أولوياتها.
والآن يبقى السؤال الأهم: هل ستكون بطاقة إيران هي الرابحة؟ هل سيفشل مخطط بنيامين نتنياهو في الهروب من وقف إطلاق النار؟ حالياً لا يمكن لأحد أن يقطع بشيء. تابع…
الآراء المعبر عنها في هذه المقالة تعود للكاتب ولا تعكس بالضرورة السياسة التحريرية لموقع UrKish News.