آراء و مقالات

السرد التاريخي بين الواقع والمُتخيَّل

تَذكّر دائمًا أن التاريخ الرسمي ليس مرآة دقيقة للحقائق، بل هو انعكاس لرؤية الدولة للأحداث التي تمس مصالحها الوطنية. لذلك البحث عن الصواب والخطأ في هذا السرد يصبح أحيانًا عديم الجدوى إذ أنه يعكس وجهة نظر محددة. وهذا ينطبق على جميع الدول؛ من الولايات المتحدة إلى باكستان.

على سبيل المثال، يروي المؤرخون الرسميون في الولايات المتحدة أن طائرة التجسس “يو-2” اكتشفت وجود صواريخ نووية سوفييتية في كوبا خلال مهمة استطلاعية مما دفع إدارة كينيدي إلى التحرك دبلوماسيًا مع الاتحاد السوفييتي. وأصبحت الأزمة معروفة عالميًا من خلال وسائل الإعلام ليُعلن لاحقًا أن أمريكا نجحت في إجبار الاتحاد السوفييتي على سحب صواريخه واعتبر ذلك “انتصارًا دبلوماسيًا” لها.

لكن هل يجيب هذا السرد على تساؤلات أساسية مثل: لماذا نقل الاتحاد السوفييتي صواريخه إلى كوبا؟ أو ما دور صواريخ الولايات المتحدة في إيطاليا وتركيا؟

الواقع أن الولايات المتحدة كانت قد نشرت صواريخ نووية سرًا في إيطاليا وتركيا على مقربة من الحدود السوفييتية. وعندما علم الاتحاد السوفييتي بذلك لم يلجأ خروتشوف إلى التصعيد العلني، بل رد بالمثل عبر إرسال صواريخ نووية إلى كوبا. وحين كشفت طائرة “يو-2” عن وجود هذه الصواريخ دبّ الذعر في الإدارة الأمريكية.

وعندما تساءل الأمريكيون عن سبب نشر الصواريخ السوفييتية في كوبا، جاء الرد بسيطًا: “نفس السبب الذي دفعكم لنشر صواريخكم في إيطاليا وتركيا”. وفي النهاية تم الاتفاق على إزالة الصواريخ من الجانبين حيث تعهدت أمريكا بسحب صواريخها من أوروبا مقابل سحب الصواريخ السوفييتية من كوبا.

إذًا، من الذي بدأ هذا التصعيد؟ الإجابة واضحة: الولايات المتحدة. وهذا ليس تحليلاً شخصيًا، بل ما أكده مؤرخون أمريكيون مستقلون. وعندما رد الاتحاد السوفييتي بالمثل وأجبر الولايات المتحدة على التراجع يبقى السؤال: من الذي خسر فعليًا؟

هكذا يُكتب التاريخ الرسمي دائمًا ليُظهر جانبًا واحدًا فقط من الحقيقة!

كتبه باللغة الأردية: رعايت الله فاروقي ونقله إلى العربية: عبدالرؤوف حسين

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء تعطيل حاجب الإعلانات للاستمرار في استخدام موقعنا