عبدالرؤوف حسين

في الأشهر الأخيرة بات واضحًا أن موازين القوة في العالم تشهد تحولًا جذريًا تجلت ملامحه في المواجهات العسكرية بين القوى الإقليمية والعالمية. إسرائيل التي طالما اعتُبرت قوة عسكرية لا تُضاهى في الشرق الأوسط تلقت ضربة قوية إثر فشل أنظمتها الدفاعية المتقدمة في مواجهة الهجمات الإيرانية. إيران من جهتها أثبتت أنها ليست مجرد خصم إقليمي بل قوة عسكرية قادرة على تحدي أعقد التقنيات الدفاعية مدعومة بتعاون استراتيجي مع روسيا.
إسرائيل وإيران: نهاية التفوق المطلق
لطالما اعتُبرت إسرائيل قوة لا تُضاهى في الشرق الأوسط بفضل تفوقها العسكري ومنظوماتها الدفاعية المتطورة مثل “القبة الحديدية” و”مقلاع داود”. لكن الهزيمة الأخيرة التي مُنيت بها أمام قدرات إيران العسكرية قلبت هذه المعادلة. إيران أثبتت تفوقها من خلال التصدي لهجوم إسرائيلي مخطط بدقة حيث استطاعت أنظمة دفاعها المدعومة بتكنولوجيا متطورة أن تُجهض الهجوم قبل أن يصل إلى عمق أراضيها.
هذه التطورات كشفت هشاشة التفوق الإسرائيلي ودفعت نحو اعتراف ضمني بأن إيران أصبحت لاعبًا إقليميًا وعالميًا لا يمكن تجاوزه. كما أنها أثبتت أن المنظومات الدفاعية الإسرائيلية ليست سوى واجهة تستعرضها إسرائيل لكنها تفشل أمام اختبارات حقيقية.
روسيا وأمريكا: صراع بالوكالة يزداد عمقًا
من جهة أخرى، يشهد العالم تصاعدًا في حدة التوتر بين روسيا والولايات المتحدة حيث تستخدم كل منهما ساحات المعارك غير المباشرة لإرسال رسائلها. سماح الولايات المتحدة لأوكرانيا باستخدام صواريخ “أتاكمز” المتطورة ضد روسيا كان تصعيدًا واضحًا لكنه لم يمر دون رد.
الرد الروسي جاء صاعقًا عبر صاروخ “أوريشنيك” فائق السرعة الذي دمر منشأة أسلحة أوكرانية كبرى. هذا الصاروخ الذي يتميز بسرعته الفائقة ومداه البعيد أظهر تفوق روسيا التكنولوجي في مجال الصواريخ فائقة السرعة، وأرسل رسالة واضحة إلى الغرب بأن روسيا لا تزال تحتفظ بأدوات الردع الاستراتيجية.
رسائل إلى أوروبا: انقسام التحالفات
لم يكن الهدف من الهجوم الروسي مجرد الرد على أوكرانيا أو الولايات المتحدة بل كان رسالة مباشرة إلى أوروبا. صاروخ “أوريشنيك” بمداه الذي يغطي القارة الأوروبية جاء ليحذر دول الاتحاد الأوروبي من مغبة استمرار الاعتماد على الحماية الأمريكية. بوتين أوضح في تصريحاته أن أوروبا بحاجة إلى إعادة النظر في سياساتها لأن أي صراع مستقبلي سيجعلها هدفًا مباشرًا دون أن يكون لديها وسائل كافية للدفاع عن نفسها.
تحولات جذرية في المشهد الدولي
الأحداث الأخيرة تشير إلى تحول جذري في النظام الدولي حيث لم تعد القوى الكبرى قادرة على فرض إرادتها دون مواجهة عواقب وخيمة. باتت إيران تمتلك أدوات ردع حقيقية تُغير معادلات الصراع. أوروبا الآن في موقف حرج: هل تستمر في التحالف مع أمريكا والمخاطرة بأن تكون في مرمى الصواريخ الروسية أم تُعيد صياغة سياساتها بما يضمن مصالحها وأمنها؟
هذا التحول يعكس نهاية عصر الهيمنة الأحادية وبداية عصر تعددية الأقطاب حيث تتحرك القوى الإقليمية والدولية لإعادة تعريف نفوذها وتثبيت وجودها في خارطة القوى العالمية الجديدة.