
محمد دين جوهر
دخلت العلاقات الاقتصادية بين الولايات المتحدة والصين منعطفًا حادًا في الآونة الأخيرة بعد أن أشعلت إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب شرارة حرب تجارية غير مسبوقة. ورغم انطلاق الجولة الأولى بإجراءات حادة إلا أن مآلاتها كشفت عن تخبط في السياسات الأمريكية وعن عجز في تحقيق الأهداف الاستراتيجية المرجوة. واليوم، فيما تتغير ملامح النظام العالمي، تتزايد المؤشرات على دخول العالم في مرحلة أكثر اضطرابًا قد تتجاوز الاقتصاد لتلامس حدود الصراع العسكري غير المباشر.
أطلقت إدارة ترامب موجة من الرسوم الجمركية ضد الصين وشملت كذلك حلفاء تقليديين كالمكسيك وكندا. إلا أن التراجع السريع عن تطبيق بعض هذه الرسوم تحت ضغط الشركات الأمريكية الكبرى، كشف عن قرارات اتُخذت في لحظة عناد سياسي أكثر من كونها جزءًا من استراتيجية اقتصادية مدروسة.
وبينما تم استثناء منتجات إلكترونية وتقنية من الرسوم لاحقًا، كانت الصين تُستهدف بالمزيد من الإجراءات ما أدى إلى تصعيد مباشر في الحرب التجارية. وبمرور الوقت، أصبحت السياسة التجارية الأمريكية أشبه بساحة سيرك يطغى عليها الارتباك والتناقض.
تكشفت جوانب أخرى للحرب التجارية، أبرزها ما أثير حول صفقات أجرتها شركات ترامب العقارية مع نحو 19 دولة ما طرح تساؤلات جدية حول دوافع شخصية خلف السياسات الاقتصادية المعلنة. هذا الأمر أضر كثيرًا بمصداقية الإدارة الأمريكية وفاقم من ارتباك المشهد الدولي.
ومع فشل الجولة الأولى في إركاع الاقتصاد الصيني، تلوح في الأفق ملامح جولة ثانية أكثر حدة وربما أكثر خطورة. فالصين لم تستخدم بعد كامل أوراقها بينما تعتمد الولايات المتحدة بشكل متزايد على منطق التهديد والقوة. وإذا استمر هذا النهج فإن المواجهة قد تنتقل إلى جبهات غير اقتصادية.
أحد أكثر السيناريوهات إثارة للقلق هو أن تتحول الحرب الاقتصادية إلى مواجهة جيوسياسية في الشرق الأوسط. يعتمد الاقتصاد الصيني على النفط الإيراني بدرجة كبيرة بينما تُعد تايوان مركزًا عالميًا لصناعة الشرائح الإلكترونية. استهداف إيران قد يُضعف الصين من جهة الطاقة فيما قد تدفع هذه الخطوة بكين إلى التحرك عسكريًا نحو تايوان ما يهدد باندلاع أزمة عالمية أعمق.
لم تعد الولايات المتحدة تُخفي انزياحها عن المبادئ الدبلوماسية وباتت تتبنى نهج الهيمنة الصريحة. يشير هذا التغير إلى عودة لأساليب السيطرة القديمة حين كانت القوى الكبرى تفرض إرادتها بالقوة العسكرية والاقتصادية. الصين التي نمت داخل النظام الاقتصادي الليبرالي ذاته باتت تُعامل اليوم كتهديد لهذا النظام لا كشريك.
تواجه الولايات المتحدة اليوم تحديًا وجوديًا من قبل قوى صاعدة على رأسها الصين، ويبدو أن الرد الأمريكي آخذ في التشدد عبر أدوات القوة الصلبة بدلًا من الحوار. ومع تراجع النظام النيوليبرالي وتزايد نفوذ التيارات اليمينية والدينية المتطرفة داخل المؤسسة الأمريكية، تتغير ملامح القوة والنفوذ في الداخل والخارج.
إن الحرب التجارية بين أمريكا والصين لم تكن سوى الشرارة الأولى في سلسلة من المواجهات المتوقعة. ومع تسارع التحولات، قد نجد أنفسنا أمام نظام عالمي جديد يتشكل من رحم الفوضى. السؤال المطروح الآن: هل العالم مستعد لدفع ثمن هذه التحولات؟
المصدر: المقال باللغة الأردية وتم نقله إلى اللغة العربية بواسطة عبدالرؤوف حسين، والآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري ل UrKish News.