آراء و مقالات

القفص غير المرئي: قيود الأنانية التي تسجن الإنسان

رعايت الله فاروقي

في أعماق كل إنسان هناك قفص غير مرئي، قفص لا تصنعه القضبان الحديدية بل تحكمه قيود الأنانية وحب الذات. هذا القفص يفرق بين نوعين من البشر: أولهما أسيرٌ لهذه القيود يدور في فلك نفسه، يرى العالم انعكاسًا لذاته حيث تتحكم مصالحه الشخصية في قراراته وتوجهاته. وثانيهما إنسان تحرّر من هذه الأغلال، انفتح على العالم وعاش للعطاء والخير متجاوزًا دائرة الأنا إلى فضاء الإنسانية.

الأسير لذاته يعيش حياة ضيقة مهما اتسعت نجاحاته الشخصية. يرى الآخرين كأدوات لتحقيق رغباته، وخططه تبدأ منه وتنتهي عنده. في المقابل من يتحرر من قفص الأنانية يدرك أن السعادة الحقيقية تكمن في العطاء والتفاعل مع الآخرين. هذا الإنسان يتصل بمعنى أعمق للحياة ويستلهم دروس الإيمان التي تتردد في جميع الكتب السماوية والتي تدعو للإيمان بالله والإحسان إلى خلقه.

القرآن الكريم على سبيل المثال يوجه الإنسان للسير في طريقين متكاملين: طريق الإيمان بالله وطريق الإحسان إلى الآخرين. هذان المساران لا ينفصلان؛ فمن يحب الله يحب مخلوقاته ومن يسعى لإسعاد الناس يجد الطريق إلى الله. ومع ذلك نرى في الواقع نماذج متباينة. هناك من أخلص لله لكنه عزل نفسه عن المجتمع مثل بعض الصوفيين الذين ركزوا على الروحانية. وعلى النقيض من ذلك هناك من خدم الإنسانية بإخلاص مثل عبدالستار إيدهي، لكنه لم يضع الإيمان بالله في قلب مسيرته.

التوازن بين الإيمان والعمل الإنساني هو مفتاح السعادة الحقيقية. تجربة بسيطة قد تُظهر ذلك: أنفق يومًا على نفسك واشترِ ما تحبه ثم أنفق نفس المال في يوم آخر لمساعدة ذي حاجة. ستجد أن السعادة التي تمنحها للآخرين تنعكس في قلبك بطمأنينة لا تضاهيها أي متعة شخصية.

الأنانية وفق خبراء النفس والاجتماع هي أصل لكثير من المشكلات البشرية. السرقة تنبع من رغبة في الأخذ بلا حق والكسل نتيجة خوف من الجهد، والحسد يعكس ضيقًا برؤية نجاح الآخرين. من يحرر نفسه من هذه المشاعر يجد السلام الداخلي والتصالح مع العالم من حوله.

القفص غير المرئي رغم عدم ملموسيته يشكل قيدًا أقوى من الحديد. تحطيم هذا القفص يعني العبور إلى حياة أكثر اتساعًا ومعنى. إنها دعوة مفتوحة للجميع: اكسر قيود الأنانية وافتح قلبك للعالم لتكتشف الحرية الحقيقية؛ حيث العطاء هو سر الحياة.

المصدر: المقال باللغة الأردية وتم تلخيصه باللغة العربية بواسطة UrKish

الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري ل UrKish News.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء تعطيل حاجب الإعلانات للاستمرار في استخدام موقعنا