
“أنت تتوهج!”… عبارة اعتدنا سماعها كمجاملة تُقال عند ملاحظة مظاهر الصحة أو السعادة على شخص ما وغالبًا ما ترتبط بالحمل أو الإشراق العام. لكن يبدو أن هذا التوهج ليس مجرد تعبير مجازي بل حقيقة علمية تؤكد أن كل جسم حي — من الإنسان إلى النبات — يصدر ضوءًا خافتًا لا تراه العين المجردة.
ففي دراسة جديدة مثيرة للانتباه، كشف باحثون من جامعة كالجاري (University of Calgary) الكندية أن الأجسام الحية تبعث فوتونات ضوئية ضعيفة جدًا تُعرف علميًا باسم الفوتونات الحيوية الضعيفة (Ultraweak Biophotons). وتنتج هذه الفوتونات عن العمليات الأيضية داخل الخلايا ما يجعلها مرآة دقيقة للحالة البيولوجية للكائن الحي.
ونُشرت الدراسة مؤخرًا في مجلة The Journal of Physical Chemistry Letters حيث وثّق الفريق العلمي للمرة الأولى الفارق بين انبعاثات الضوء من أجسام الفئران الحية وتلك التي توقفت عن الحياة. واستخدم الباحثون كاميرات رقمية متطورة قادرة على التقاط الفوتونات الفردية لرصد الانبعاثات على مدار ساعة كاملة بعد تهيئة الفئران في الظلام لمدة نصف ساعة.
ضوء الحياة… وظلام الموت
أظهرت النتائج أن الفئران الحية أطلقت توهجًا واضحًا وموزعًا على مناطق الجسم المختلفة ما يعكس نشاطًا أيضيًا مستمرًا. أما الفئران التي توفيت فانخفض مستوى الإشعاع الضوئي فيها إلى أدنى درجاته مع بقاء “بقع مضيئة” طفيفة في أماكن كانت نشطة قبل الوفاة.
يقول الدكتور دان أوبلاك المشرف على الدراسة:
“وجود هذه الفوتونات حقيقة علمية لا جدال فيها. لقد تأكدنا من أنها ناتجة مباشرة عن الحياة الخلوية وليست مجرد إشارات ضوضائية أو أثر جانبي.”
ليس الإنسان وحده… النباتات أيضًا تتوهج
ولم يكتفِ الباحثون بدراسة الحيوانات بل وسّعوا تجاربهم لتشمل النباتات. فقاموا بمراقبة انبعاثات الضوء من نبات شجرة المظلة (Heptapleurum arboricola) عند تعرّضه لإصابة أو مواد كيميائية مثل الكحول وبيروكسيد الهيدروجين. المفاجأة أن النبات بدأ يُصدر فوتونات أكثر في المناطق المتأثرة مما يشير إلى تفاعل ضوئي مع التغيرات البيئية أو الجسدية.
وأكدت الدراسة أن حرارة الجو أيضًا تؤثر في هذه الانبعاثات، فكلما زادت الحرارة، ارتفع معدل التوهج. وهذا يجعل من الفوتونات الحيوية وسيلة مثالية لرصد صحة النبات وحتى مراقبة الغابات والأراضي الزراعية بطريقة غير تدميرية.
مستقبل الطب… ضوء بدون جراحة؟
هذه النتائج تمهّد الطريق لتقنيات طبية واعدة في المستقبل. فتخيل جهازًا بسيطًا يمكنه “قراءة” ضوء جسمك وتحديد ما إذا كنت في صحة جيدة أو في بداية الإصابة بمرض — كل ذلك دون وخز إبرة أو إجراء تصوير معقد.
قد يكون اليوم الذي يصبح فيه “توهجك” مؤشّرا حقيقيا على صحتك أقرب مما نتخيل.
Web Desk