
حسن محمود
في تطور دراماتيكي قد يعيد تشكيل خارطة الشرق الأوسط السياسية، شنّت إسرائيل غارات جوية عنيفة على مواقع عسكرية داخل العمق الإيراني تبعتها ضربات صاروخية إيرانية استهدفت مدنا ومواقع إسرائيلية. هذا التبادل العسكري غير المسبوق ينذر بتحول استراتيجي قد يخرج عن السيطرة في منطقة تشهد أصلا توترا مزمنا وتداخلا معقدا بين الملفات الإقليمية والدولية.
لأول مرة منذ عقود، تنتقل المواجهة الإسرائيلية–الإيرانية من ساحات الوكلاء إلى صراع مباشر بين الدولتين. وقد جاءت الغارات الإسرائيلية التي استهدفت مواقع عسكرية إيرانية بما في ذلك منشأة “فوردو” النووية المحصنة داخل الجبال كرسالة واضحة من رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو بأن تل أبيب لن تسمح لطهران بالاقتراب من امتلاك سلاح نووي.
في المقابل، لم تتردد إيران في الردّ من خلال قصف مدن إسرائيلية بصواريخ بعيدة المدى ما يعكس تحوّلا في قواعد الاشتباك وردا يحمل أبعادا سياسية وعسكرية معا خصوصًا بعد مقتل عدد من كبار القادة الإيرانيين، من بينهم علي شمخاني أحد أبرز مهندسي الملف النووي.
اللافت في هذا التصعيد هو الحضور الأمريكي الملحوظ لا من خلال المشاركة المباشرة في العمليات بل من خلال مواقف الرئيس دونالد ترامب الذي عاد إلى واجهة الحدث بتصريحات مثيرة تدعو طهران إلى “إبرام صفقة قبل أن لا يبقى منها شيء”. وبينما شدد وزير الخارجية ماركو روبيو على أن واشنطن غير متورطة في الهجمات، جاءت تصريحاته مصحوبة بتحذيرات من استهداف القوات الأمريكية المنتشرة في المنطقة ما يعكس المخاوف من انزلاق أمريكي غير مقصود إلى حرب شاملة.
الضربة الإسرائيلية لم تكن عسكرية فقط بل حملت بعدا سياسيا خطيرا، إذ تزامنت مع موعد مقرّر لجولة مفاوضات كانت ستُعقد في عمّان بين مسؤولين إيرانيين ومبعوثين أمريكيين. إعلان طهران انسحابها من المحادثات بعد اغتيال شمخاني، وضع مسار المفاوضات في مأزق حقيقي وفتح الباب أمام مرحلة جديدة من الجمود والعداء.
المشهد الإقليمي لا يتحمّل مزيدا من التصعيد خصوصا في ظل اشتعال جبهات متزامنة في غزة وجنوب لبنان واليمن. وتخشى عواصم عربية وغربية من تحول النزاع الثنائي إلى مواجهة متعددة الأطراف. السعودية التي كانت على وشك التقارب مع إسرائيل ضمن مسار “اتفاقيات أبراهام” أعادت تموضعها السياسي ودعت إلى الحياد والتهدئة تماشيا مع التقارب الأخير مع طهران برعاية صينية.
مع الضغوط التي يواجهها حلفاء إيران التقليديون – كحماس وحزب الله والحوثيين – قد تلجأ طهران إلى أساليب غير تقليدية للرد مثل استهداف منشآت الطاقة أو القوات الأمريكية المنتشرة في المنطقة أو شن هجمات إلكترونية معقدة ضد مصالح غربية. تجربة هجمات “أرامكو” في 2019 تُعدّ نموذجا حيا لقدرة إيران على التأثير بعيدا عن المواجهة المباشرة.
الأسواق لم تتأخر في التفاعل مع الأزمة. قفزت أسعار النفط بنسبة تجاوزت 10% في وقت تراجعت فيه مؤشرات البورصات العالمية وسط مخاوف من اضطرابات طويلة الأمد.
كما أن هذا التصعيد كشف حدود النفوذ الأمريكي في المنطقة وفتح المجال أمام تحرّكات صينية وروسية متقدمة خاصة في أوكرانيا وتايوان حيث يسعى الخصمان الاستراتيجيان لواشنطن إلى استغلال انشغالها في الشرق الأوسط.
ما يحدث اليوم يتجاوز كونه مجرد عملية عسكرية بل يمثل تحوّلا استراتيجيا قد يعيد رسم توازنات القوة في المنطقة. فكل الأطراف باتت أمام خيارات صعبة: إما العودة إلى المسار الدبلوماسي أو الانزلاق إلى مواجهة مفتوحة قد تكون كلفتها باهظة على الجميع.
في ظل هشاشة التحالفات وضبابية الأهداف وخطورة الحسابات الخاطئة، يبدو الشرق الأوسط على شفا هاوية جديدة قد تغيّر كل المعادلات التي عرفناها خلال العقود الماضية.
الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري ل UrKish News.