
أمينة احمد
مع الضربة العسكرية التي وجهتها تل أبيب إلى طهران، تعالت الأصوات في الخليج العربي محذرة من “الانفلات الإسرائيلي” الذي لم يعد يخضع لأي كوابح سياسية أو عسكرية مما يهدد بإشعال صراعات مفتوحة في منطقة لا تحتمل المزيد من التوتر.
ففي الوقت الذي كانت فيه إسرائيل تُنظر إليها، لسنوات، كقوة توازن في مواجهة المشروع النووي الإيراني باتت الآن تُوصَف من قبل مسؤولين خليجيين بأنها الخطر الأكبر على الاستقرار الإقليمي.
هذا التحول اللافت في النظرة السياسية يعكس حالة متنامية من التململ داخل العواصم الخليجية التي بدأت تعيد تقييم علاقتها باللاعب الإسرائيلي.
ووفق تقرير نشرته صحيفة “Telegraph” البريطانية، اتفاقيات أبراهام التي كانت قبل أعوام تُعدّ فتحا دبلوماسيا في المنطقة، تواجه اليوم اختبارا صعبا. دول مثل الإمارات والبحرين والمغرب التي طبّعت علاقاتها مع إسرائيل باتت محاصَرة بين رغبتها في الحفاظ على التفاهمات الاقتصادية والأمنية من جهة ورفض شعوبها المتزايد للتصرفات الإسرائيلية من جهة أخرى.
أما السعودية التي كانت أبرز المرشحين للالتحاق بركب التطبيع فقد اختارت طريقا آخر. فبيان وزارة خارجيتها الذي وصف الهجوم الإسرائيلي على إيران بـ”العدوان السافر على دولة شقيقة” لم يكن مجرد رد فعل عابر، بل إعلان عن موقف مبدئي يرفض عسكرة الإقليم خارج إطار الشرعية الدولية.
السعودية التي تقود اليوم تحولا داخليا عميقا من خلال “رؤية 2030“، تدرك أن الدخول في صراعات إقليمية لن يخدم طموحاتها الاقتصادية ولا مشروعها التنموي. وهذا ما أكّدت عليه الباحثة في الشؤون الخليجية ياسمين فاروق مشيرة إلى أن الرياض باتت تبتعد عن خيار المواجهة العسكرية وتركز على الدبلوماسية وبناء الاستقرار.
عودة العلاقات السعودية الإيرانية برعاية صينية عام 2023 كانت جزءًا من هذه الرؤية، في وقت تواصل فيه الرياض جهودها لتصفير مشكلاتها الخارجية وتحقيق “هدنة استراتيجية” مع خصومها التقليديين.
لكن ما يثير القلق اليوم، بحسب باحثين خليجيين، هو أن إسرائيل أصبحت تمتلك قدرة هجومية عالية يمكن استخدامها خارج أي حسابات ردع تقليدية.
محمد باهرون، مدير مركز بحوث في دبي، يحذّر من أن إسرائيل قادرة على ضرب أي بلد في المنطقة وإذا لم تُضبط هذه القوة، فإنها قد تتحول إلى تهديد للنظام الإقليمي والدولي.
الحديث عن احتمال استهداف إسرائيل لقطر بسبب وجود مكتب سياسي لحماس فيها أو تهديد الحقول الغازية المشتركة مع إيران، لم يعد مجرّد تكهنات بل هواجس حقيقية تتردد في أروقة صنع القرار في الخليج.
في الخلفية، يلوح الدعم الأمريكي غير المشروط لإسرائيل كعامل إضافي يُعقّد المشهد. الباحث دانيال بنعيم، من معهد الشرق الأوسط في واشنطن، يصف إسرائيل بأنها “إسبرطة الجديدة” (Nueva Esparta) في الشرق الأوسط مدعومة بشكل مطلق من الولايات المتحدة مما يفتح الباب أمامها لاتخاذ قرارات استراتيجية كبرى دون مشاورة حلفائها أو التنسيق معهم.
وهنا يكمن التحدي الحقيقي أمام دول الخليج: كيف يمكن التوفيق بين شراكات أمنية قائمة مع واشنطن وبين واقع إقليمي يتغير بسرعة بفعل قرارات إسرائيلية منفردة غالبا ما تُتخذ وفق أجندة داخلية لا تراعي توازنات المنطقة.
التحليل العام يشير إلى أن دول الخليج، وخصوصا السعودية وعُمان والكويت، ستسعى في المرحلة القادمة إلى إعادة التموضع سياسيا عبر تعزيز الدبلوماسية الإقليمية وتخفيف الاعتماد على المعادلات الأمنية التقليدية التي كانت تتكئ على إسرائيل أو الولايات المتحدة كضامنين.
في الوقت ذاته، لن يكون من السهل تفكيك التفاهمات القائمة أو إلغاء اتفاقيات التطبيع، لكن يمكن توقع نوع من “البرود التكتيكي” في العلاقات ريثما تتضح ملامح المرحلة المقبلة.
في الختام، يبدو أن الخليج بات ينظر إلى إسرائيل لا بوصفها حليفا استراتيجيا ثابتا بل قوة متهورة قد تحتاج إلى لجم دبلوماسي قبل أن تتسبب في تفجير الوضع الإقليمي برمته.
الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري ل UrKish News.