آراء و مقالات

باكستان وإيران… هل بات الدفاع المشترك خيارا استراتيجيا لا مفر منه؟

تعبيرية (iranpress)

منذ ثمانية عقود، والعالم الحديث يرزح تحت وطأة مأساَتين طويلتي الأمد: القضية الفلسطينية ونزاع كشمير. كلاهما جرح مفتوح وكلاهما وليد احتلال غير مشروع—الأول بإرادة صهيونية والثاني بتعصب هندوسي قومي.
هذا التشابه التاريخي والجغرافي الذي بدا لسنوات طويلة وكأنه تقاطع ظرفي، عاد ليظهر مجددا ولكن هذه المرة في مشهد استراتيجي غير مسبوق: سقوط المعسكرين المحتلين في توقيت متقارب.

ففي حين لم تستطع الهند أن تصمد أكثر من أيام أمام تصعيد عسكري مفاجئ انهارت الجبهة الإسرائيلية أمام التوترات الداخلية والخارجية في غضون أسبوعين.
لم تكن هذه النتائج نتيجة نقص في العتاد أو الكوادر بل لأسباب أعمق ترتبط بانعدام التجربة في إدارة الحروب طويلة الأمد.
فإسرائيل والهند، شأنهما شأن باكستان، لم تمرّا بتجربة حرب استنزاف مطولة. وحده إيران، بين هذه القوى، تمتلك سجلا في الحرب المستمرة، بفضل معركتها الطويلة دامت ثماني سنوات.

لا يُمكن إنكار حقيقة أن إيران أصبحت في الوقت الراهن الراعي الأبرز للمقاومة الفلسطينية، ليس فقط بخطابها السياسي بل بالدعم العسكري واللوجستي الملموس.
وتدفع طهران ثمن ذلك من خلال اغتيالات تطال علمائها وقادتها وعقوبات دولية تُطوّق اقتصادها. من هذا المنظور، تبدو إيران كما لو أنها تحمل على عاتقها عبء فلسطين، تماما كما تُعد باكستان الوريث الطبيعي لقضية كشمير. والتقاء الحدود بين البلدين يضيف بعدا جغرافيا عمليا لهذا التوازي السياسي والعقائدي.

حتى فترة قريبة، كانت طهران تفضّل نيودلهي على إسلام آباد في تعاملاتها الاقتصادية والسياسية. غير أن المتغيرات الجيوسياسية في العام الأخير دفعت إيران لإعادة تقييم أولوياتها.
ففي الوقت الذي وقفت فيه الهند إلى جانب إسرائيل خلال تصعيدها الأخير مع طهران قدّمت باكستان دعما ملموسا، نال امتنانا إيرانيا علنيا في أوج المعركة.

هذه المواقف عززت القناعة الإيرانية بأن ما كان يُحسب “شقيقا استراتيجيا” لم يكن سوى شريك مصالح مؤقت، في حين أظهرت باكستان، رغم ظروفها الداخلية المعقدة، أنها حليف يُعتمد عليه عند الحاجة.

لعل أهم مخرجات هذه المرحلة هو الاقتراح المتزايد ببلورة صيغة دفاع مشترك بين باكستان وإيران. ولأن العدو واحد فإن توحيد الجهود الدفاعية يبدو تطورا منطقيا بل وضروريا.
ومن الجدير بالذكر أن باكستان ليست غريبة عن هذا النوع من الترتيبات؛ فقد سبق أن أرسلت طيارين إلى الجبهات العربية في حربي 1967 و1973 ضد إسرائيل وكان البطل “سیف الأعظم” رمزا لهذا الدعم عندما أسقط ثلاث طائرات إسرائيلية.

تواجه إيران اليوم تحديا استراتيجيا متمثلا في ضعف سلاحها الجوي، ما يجعل أجواءها مكشوفة أمام الطائرات الإسرائيلية. في المقابل، تُعد القوات الجوية الباكستانية من الأكثر كفاءة في العالم ولها سجل مواجهات يُحسب له حساب.
وإذا ما تم تعزيز التعاون بطائرات “J10 سي” الحديثة فإن الدفاع الجوي الإيراني سيتحول من خاصرة رخوة إلى حائط ردع يصعب اختراقه.

ليس هذا فحسب، بل إن التحالف الدفاعي سيتيح لإيران ربطا بريا لوجستيا مع الصين عبر باكستان وهو أمر بالغ الأهمية في أي سيناريو حرب طويلة.

من جانبها، قد تستفيد باكستان من فتح خط إمداد بري آمن عبر إيران خصوصا في ظل الاعتماد شبه الكامل حاليا على الإمدادات البحرية بما في ذلك النفط والغذاء. وفي زمن الحرب تكون هذه المسارات عرضة للاستهداف.
فضلا عن ذلك، فإن صواريخ إيران الباليستية قد توفر غطاء ردعيا حاسما لباكستان لا سيما في مواجهة التهديد الهندي.

كما أن ضيق العمق الاستراتيجي الباكستاني – أي المسافة القليلة بين الحدود والمراكز الحيوية – قد يُعالج جزئيا عبر التنسيق مع إيران التي تُشكّل عمقا جغرافيا استراتيجيا مضادا للهند.

ما يجب التأكيد عليه أن الغاية من الدفاع المشترك ليست خوض حرب بل تفاديها. الردع هو الغاية الأسمى. فإذا علمت إسرائيل أنها بمهاجمة إيران ستواجه أيضا باكستان فستُعيد حساباتها كثيرا، خصوصا أن باكستان قوة نووية تملك سياسة “الضربة الأولى” ما يجعل أي مغامرة عسكرية إسرائيلية محفوفة بمخاطر غير محسوبة.

الوضع ذاته ينطبق على الهند، إذ أن أي اعتداء على باكستان قد يُقابل برد إيراني صاروخي مباشر وهو سيناريو لم يكن مطروحا في العقود الماضية.

من المتوقع أن يُقابل هذا النوع من التحالف بتحفظ أمريكي شديد، لا سيما في ظل العقوبات المفروضة على إيران. إلا أن واشنطن اليوم ليست واشنطن الأمس؛ لقد أظهرت الحرب الإيرانية الإسرائيلية الأخيرة أن الولايات المتحدة تفضل التصريحات الدبلوماسية على التحرك العسكري. وحتى ترامب الذي ادعى تدمير البرنامج النووي الإيراني واجه شكوكا من الإعلام الأمريكي ذاته.

في المقابل، ستنظر روسيا والصين بعين الرضى إلى أي تقارب بين طهران وإسلام آباد، فإيران تمثل للصين شريانا نفطيا بينما تُعد حاجزا جيوسياسيا لروسيا في وجه التمدد الأمريكي المحتمل عبر آسيا الوسطى.

العائق الرئيسي أمام أي تعاون دفاعي مكشوف يبقى العقوبات الأمريكية والتي قد تطال باكستان أيضا. غير أن التاريخ يُثبت أن باكستان تستطيع المناورة كما فعلت خلال الوجود الأمريكي في أفغانستان حين دعمت حلفاءها دون أن تصطدم مباشرة بواشنطن.
التنسيق العسكري – ولو غير معلن – يظل خيارا واقعيا في ظل حدود جغرافية مشتركة وتحديات استراتيجية متطابقة.

في عالم تتحكم فيه المعادلات الصفرية والتحالفات السريعة، لا يبدو خيار الدفاع المشترك بين إيران وباكستان ترفا سياسيا بل ضرورة استراتيجية تمليها الحقائق على الأرض.
عندما يصبح العدو مشتركا فإن الدفاع المنفرد ليس سوى انتحار تدريجي. ومن ثم، فإن مستقبل الأمن الإقليمي قد يبدأ من بوابة “تحالف مشترك” قد يبدو مستبعدا اليوم لكنه قد يكون الحصن الأهم غدا.

المقال باللغة الأردية كتبه المحلل العسكري الباكستاني رعايت الله فاروقي وتم نقله إلى اللغة العربية بواسطة حسن محمود والآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري ل UrKish News.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء تعطيل حاجب الإعلانات للاستمرار في استخدام موقعنا