
فريق UrKish News
في عام 2010، لم يكن ستيفن ديفيد شين (Stephen David Sheen) يتوقع أن محطة عابرة في باكستان ستتحول إلى رحلة عمر. الشاب الويلزي الحاصل على درجة الماجستير في الفيزياء من جامعة ليدز، كان ينوي السفر إلى الهند مرورا بتركيا وإيران وباكستان، لكن خطته تغيرت تماما عندما وصل إلى بلدة كوت ديجي في إقليم السند (باكستان) حيث شارك في معسكر صيفي كمتطوع في مدرسة محلية وهناك وجد نفسه جزءا من مجتمع لم يعرفه من قبل لكنه احتضنه بحب وكرم.
بعد 14 عاما، لا يزال ستيف في كوت ديجي حيث يدير “مدرسة فيض الثانوية” التابعة لمركز موارد السند (IRC) ويعمل تحت إشراف المديرة التنفيذية صديقه صلاح الدين. وقد أصبح يعرف بين السكان المحليين باسم “الإنجليزي” فيما باتت مدرسته تُلقب بـ”مدرسة الإنجليزي” نظرا لوجوده الدائم فيها وتعلقه بالطلاب والمجتمع، وفقا للتقارير الصحفية المحلية.
رغم أنه لم يكن ينوي البقاء، فإن ما وجده في باكستان — من دفء الناس وكرمهم — جعله يعيد التفكير في مسار حياته. وبات يتقن اللغة السندية بطلاقة ويُدرّس الفيزياء والرياضيات واللغة الإنجليزية ويندمج في الحياة اليومية وكأنه أحد أبناء البلدة.
لكن علاقته بالمجتمع المحلي تعمّقت أكثر بعد الفيضانات الكارثية التي ضربت المنطقة عام 2022 والتي وصفها بأنها أكثر تأثيرا عليه من فيضانات 2010 التي صادفت وصوله الأول إلى البلاد. قال ستيف: “بعد 12 عاما أصبحت أشعر أن هذا مجتمعي، ما حدث كان أقرب إلى القلب وأكثر إيلاما.”
مع غرق أجزاء من المدينة، تحولت مدرسته إلى مأوى مؤقت لعشرات العائلات التي شردتها المياه. وقد شارك ستيف بشكل مباشر في تنسيق جهود الإغاثة إلى جانب متطوعين محليين ومنظمات دينية وخيرية.
ويقول أحد المتطوعين المحليين: “الناس يثقون بستيف. لم يبخل بجهد كان ينظّم، ينسق ويعمل بيده. حتى أهل البلد لا يملكون حماسه.”
في البداية، كان من الصعب توفير حتى وجبة واحدة في اليوم للنازحين. فكانت عبوة الأرز الواحدة تُقسم على ثلاثة أشخاص. ومع مرور الوقت وتزايد الدعم، بدأ توزيع كميات أكبر من الطعام وكان لأبناء الأسرة الطالپورية دور مهم في هذه الجهود.
ولم تسلم المدرسة نفسها من الضرر، إذ انهارت عشر غرف صفية من أصل 23 نتيجة الأمطار الغزيرة. يقول ستيف: “عندما انهار أول فصل شعرت بالإحباط. لكن خلال ثلاثة أيام انهارت ثلاث غرف أخرى وأدركت حينها أن الكارثة أكبر مما كنا نتصور.”
في ظل استمرار تواجد بعض العائلات داخل المدرسة، أُقيمت خيام لاستمرار العملية التعليمية. واستمر التعليم ما يعكس إصرار ستيف وفريقه على عدم توقف المدرسة عن أداء دورها.
بعيدا عن التدريس، يستمتع ستيف بأعمال النجارة. يصنع الطاولات والكراسي بيديه وغالبا ما يشاركه بعض طلابه في هذه الهواية. ويرى في ذلك وسيلة للتواصل الإنساني والتربوي خارج إطار الفصل الدراسي.
ويشير ستيف إلى أن الكرم الباكستاني هو أحد أسباب بقائه: “في معظم دول العالم، تُستغل السياحة تجاريا. أما هنا، فالناس يقدمون لي الطعام والمبيت والتنقل مجانا. الكرم في هذه البلاد لا مثيل له.”

عندما حضر أول مناسبة اجتماعية في كوت ديجي وهي عشاء عيد الفطر عام 2010، لم يفهم شيئا مما يُقال حوله، إذ كان الجميع يتحدثون بالسندية. فشعر بالعزلة وقرر من يومها أن يتعلم اللغة وهو ما فعله بإصرار حتى أصبح يتحدث بها بطلاقة.
اليوم، لا يقتصر دور ستيف على التدريس أو الإدارة بل أصبح عنصرا أساسيا في النسيج المجتمعي للبلدة. علاقته بالأهالي وتفاعله اليومي مع الأطفال والأسر، جعل منه رمزا للمحبة والتفاني حتى بات من الصعب تخيل كوت ديجي من دونه.
في قصته، يجد المرء إجابة واضحة عن سؤال قديم: هل يمكن أن يتحول العابر إلى ابن بلد؟ مع ستيف، يبدو أن الإجابة نعم وبكل صدق.