آراء و مقالات

فيكتور جاو يفتح أوراق التاريخ: باكستان غيّرت مجرى العلاقات الدولية

الدكتور فيكتور جاو (إكس)

في عالم السياسة والدبلوماسية، ثمة شخصيات تؤدي أدوارا تتجاوز حدود المناصب الرسمية. الدكتور فيكتور جاو هو واحد من هؤلاء. فبينما يعرفه كثيرون بوصفه دبلوماسيا صينيا سابقا، فإن ما لا يعرفه الجميع هو أنه كان المترجم الشخصي لدينغ شياو بينغ مؤسس الصين الحديثة.
هذا الدور جعله شاهدا على أدق تفاصيل الحوارات بين القيادة الصينية وزعماء العالم، وأمينا على مضامينها،

بعد تقاعده من الخدمة الدبلوماسية الرسمية، لم يبتعد جاو عن دوائر التأثير بل انتقل إلى مساحة جديدة تمثل ما يمكن تسميته بـ”الدبلوماسية غير الرسمية”. ففي حالات كثيرة، تفضّل الدول الكبرى – ومنها الصين – أن تظل في حالة صمت رسمي إزاء قضايا حساسة لكن في الوقت نفسه ترغب في إيصال رسائل واضحة ومدروسة إلى العالم.

وهنا يأتي دور شخصيات مثل فيكتور جاو الذين لا يحملون صفة حكومية حالية لكن حديثهم يُفهم على أنه مرآة للموقف الفعلي للدولة، كما أفاد به المحلل العسكري الباكستاني رعايت الله فاروقي عبر صفحته على Facebook.

مثال على ذلك، حين أعلنت الهند تعليق معاهدة مياه السند مع باكستان التزمت بكين الصمت الرسمي، لكن فيكتور جاو خرج بتصريح لافت قال فيه:
“ينبغي للهند أن تتجنب القيام بما لا تحب أن يُفعل بها. فإذا كان بإمكانها أن تقطع المياه عن باكستان فلتعلم أن الصين أيضا قادرة على وقف المياه المتدفقة إلى الهند.”

هذا النمط من “الرسائل غير الرسمية” بات أداة دبلوماسية فعالة تستخدمها الدول الكبرى لتوجيه تحذيرات أو التعبير عن مواقف دون أن تتحمل تبعات التصريحات الرسمية.

لكن أهمية فيكتور جاو لا تقتصر على تصريحاته الراهنة بل تمتد إلى شهاداته على وقائع تاريخية رسمت معالم النظام الدولي المعاصر.

في مقطع متداول مؤخرا، تحدث جاو عن الدور الحاسم الذي لعبته باكستان في فتح أبواب التواصل بين الصين والولايات المتحدة في مرحلة كان فيها العداء بين الطرفين في ذروته.

يشير جاو إلى أن باكستان لم تكتفِ بإقامة علاقات مبكرة مع الصين – وكانت أول دولة تعترف بجمهورية الصين الشعبية – بل قامت بدور الوسيط الذي أقنع واشنطن وبكين بضرورة إنهاء القطيعة السياسية.

في يوليو 1971، نظّمت باكستان زيارة سرية لمستشار الأمن القومي الأمريكي آنذاك هنري كيسنجر الذي وصل إلى بكين من إسلام آباد بعيدا عن أنظار الإعلام. هذه الزيارة مهّدت لحدث تاريخي: زيارة الرئيس ريتشارد نيكسون إلى الصين في العام التالي وهي الزيارة التي فتحت الباب أمام التقارب الأمريكي-الصيني وغيرت توازنات الحرب الباردة.

في تعليقه على هذا الدور، قال فيكتور جاو:
“ينبغي للولايات المتحدة والصين أن تظلا ممتنتين لباكستان. لقد أنجزت أمرا عظيما زلزل الأرض وغير مجرى التاريخ.”

إن هذا الاعتراف النادر من شخصية ذات مكانة رفيعة في المنظومة الصينية، يسلّط الضوء على الدور المركزي الذي لعبته باكستان، لا بوصفها مجرد لاعب إقليمي بل كوسيط بين قوتين عظميتين في لحظة مفصلية من التاريخ.

ومع تصاعد التوترات الجيوسياسية في العصر الحالي، يبرز هذا الإرث من جديد كمصدر فخر وتذكير بأن تأثير الدول لا يُقاس دائما بحجمها الاقتصادي أو العسكري بل أحيانا بحنكتها الدبلوماسية وقدرتها على صناعة الجسور في زمن الانقسامات.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء تعطيل حاجب الإعلانات للاستمرار في استخدام موقعنا