آراء و مقالات

هل يعيد مضيق تايوان تشكيل خرائط النفوذ العالمي؟

تعبيرية (thesun)

حسن محمود

في تطور لافت يعكس حجم التوتر الجيوسياسي في منطقة شرق آسيا، أطلقت تايوان هذا الأسبوع أكبر مناوراتها العسكرية على الإطلاق ضمن سلسلة تمارين “هان كوانغ” السنوية.
هذه المناورات التي تستمر لعشرة أيام، لا تأتي فقط في إطار دفاعي تقليدي بل تُعد محاكاة حقيقية لسيناريوهات غزو صيني شامل يبدأ باستهداف أنظمة القيادة والاتصالات قبل أن تتحول المياه المحيطة بالجزيرة إلى مسرح لاشتباكات بحرية وجوية.

هذه التحركات العسكرية، وإن بدت داخلية الطابع، فإن رسائلها تتجاوز المضيق الصيني – التايواني الضيق لتصل إلى عواصم القرار العالمي من واشنطن إلى بروكسل ومن موسكو إلى طهران.
إذ يرى مراقبون أن ما يحدث في تايوان اليوم ليس سوى حجر دومينو جديد في سلسلة صراعات تتقاطع في أوكرانيا وتنعكس على أمن الطاقة في الشرق الأوسط وتفتح الباب لتصور أكثر قتامة: حرب عالمية متعددة الجبهات.

صرّح مسؤول دفاعي تايواني لوكالة رويترز بأن بلاده تتابع تفاصيل الحرب الروسية الأوكرانية وتستخلص منها الدروس لتطبيقها في سياقها الجغرافي الفريد. وفي ضوء التجربة الأوكرانية، تتعامل تايبيه مع احتمالية حدوث هجوم صيني ليس كاحتمال بعيد بل كسيناريو قائم يتطلب جاهزية فعلية وليس استعراضية.

تشمل المناورات هذه المرة مشاركة غير مسبوقة من قوات الاحتياط بواقع 22 ألف جندي، إلى جانب استخدام أسلحة متطورة كأنظمة HIMARS الأمريكية وصواريخ “سكايسوورد” التايوانية، فضلا عن تكثيف تدريبات حرب الشوارع والدفاع الساحلي.
ليس الهدف مجرد ردع بكين بل اختبار واقعي لقدرة الجيش على الحفاظ على تماسك القيادة والسيطرة في حال تعرضت مراكز الاتصالات والتوجيه لضربة أولى وهو السيناريو الذي يُعتقد أن الصين ستلجأ إليه عند بدء أي عملية غزو.

في المقابل، لم تتأخر بكين في الرد حيث وصفت وزارة الدفاع الصينية هذه التدريبات بأنها “خدعة دعائية” من قبل الحزب التقدمي الديمقراطي الحاكم في تايوان واتهمته بجر الجزيرة نحو هاوية الاستقلال الوهمي. وكررت التصريحات الرسمية التأكيد على أن “إعادة التوحيد أمر حتمي” وأن أي محاولة لردع الجيش الصيني محكوم عليها بالفشل.

لكن ما يدعو للانتباه أن الصين لم تكتفِ بالتصريحات بل نفذت عمليات “مضايقة جوية وبحرية” متزامنة مع انطلاق المناورات في محاولة واضحة لتشتيت الاستعدادات التايوانية وإرسال رسالة ضغط مزدوجة: ميدانية وسياسية.

الخطورة الحقيقية لا تكمن فقط في تصاعد التوتر الصيني – التايواني بل في السيناريو الأوسع الذي يربط بينه وبين الحرب في أوكرانيا. الأمين العام لحلف الناتو مارك روته حذر مؤخرا من أن غزوا صينيا لتايوان قد يترافق مع هجوم روسي على أوروبا بهدف إشغال الناتو على جبهتين في آنٍ واحد.

وقال روته في مقابلة مع نيويورك تايمز: “إذا قرر شي جينبينغ مهاجمة تايوان فسيتصل أولا بحليفه فلاديمير بوتين ليطلب منه فتح جبهة في أوروبا”.
هذا السيناريو الذي بدا منذ سنوات ضربا من الخيال، بات اليوم أكثر واقعية في ظل التحالف الاستراتيجي المتنامي بين بكين وموسكو والذي تُوِّج بإعلان “شراكة بلا حدود” تهدف إلى تقويض الهيمنة الغربية على النظام العالمي.

التحالف لا يقتصر على روسيا والصين، فهناك طرف ثالث ينشط في الظل: كوريا الشمالية. تشير تقارير استخباراتية إلى إرسال بيونغ يانغ آلاف الجنود ومعدات عسكرية – بينها صواريخ باليستية – لدعم روسيا في أوكرانيا.
ووفقا لتحليلات أمنية، فإن هذه المشاركة لا تتم دون موافقة صينية ضمنية ما يفتح الباب أمام سيناريو أخطر: استخدام كوريا الشمالية كأداة لتصعيد التوتر في شبه الجزيرة الكورية وتقييد حركة القوات الأمريكية هناك عند بدء أي تحرك عسكري صيني تجاه تايوان.

وفي السياق نفسه، تشكل إيران، الحليف الإقليمي لروسيا، حلقة الوصل بين التوترات الآسيوية والصراعات الشرق أوسطية في شبكة من العلاقات التي تجعل من أي تصعيد في منطقة ما سببا لاهتزاز الأمن الدولي برمته.

رغم هذه التهديدات المترابطة، لا تزال ردود الفعل الغربية أقرب إلى الحذر منها إلى الاستعداد الحقيقي. وبينما تعهد قادة الناتو مؤخرا برفع الإنفاق الدفاعي إلى 5% من الناتج المحلي، يرى خبراء مثل إدوارد لوكاس أن هذا الرقم لا يزال “طموحا لا يرقى لمستوى التحدي”.

إن ما يُحاك اليوم في مضيق تايوان، لا يرتبط فقط بمستقبل الجزيرة الصغيرة بل بمصير التوازن الدولي برمته.
فإذا ما تزامن غزو صيني لتايوان مع هجوم روسي على دول البلطيق أو بولندا، فإننا لا نتحدث عن أزمات منفصلة بل عن حرب كبرى تشترك فيها القوى العظمى وتُرسم فيها خرائط جديدة لعالم ما بعد الغرب.

الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري ل UrKish News.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء تعطيل حاجب الإعلانات للاستمرار في استخدام موقعنا