آراء و مقالاتحوار

“شروق الشرق” من قلب بكين… رسالة استراتيجية تعيد تعريف النظام الدولي

بوتين وشي وكيم وشهباز شريف وقادة أجانب حضروا العرض العسكري في بكين بمناسبة الذكرى الـ80 لانتهاء الحرب العالمية الثانية – 3 سبتمبر 2025 (Reuters)

أمينة أحمد

العرض العسكري الذي نظمته الصين مؤخرا لم يكن مجرد مناسبة احتفالية أو بروتوكولية، إنما رسالة سياسية واضحة تحمل أبعادا استراتيجية تتجاوز حدود آسيا. ورغم حضور عدد كبير من قادة الدول، فقد ركزت التغطية الإعلامية الصينية على أربعة وجوه في الصف الأمامي: شي جين بينغ رئيس الصين، فلاديمير بوتين رئيس روسيا، شهباز شريف رئيس وزراء باكستان وكيم جونغ أون زعيم كوريا الشمالية.
هذا الاصطفاف لم يكن عشوائيا، إنما جرى ترتيبه بعناية ليعكس مشهدا دوليا جديدا يتشكل في الشرق.

الصين كانت صاحبة الحدث والرسالة. شي جين بينغ يؤكد على أن بكين تريد أن تظهر كقطب مركزي يقود المرحلة المقبلة من النظام الدولي. حضور القادة الثلاثة إلى جانبه منح المشهد قوة رمزية حيث بدا وكأن الصين تتحرك من موقع قيادة وتطرح نفسها كقوة تقود محور الشرق.

إلى جانبه ظهر الرئيس الروسي فلاديمير بوتين. هذا الترتيب حمل دلالة مزدوجة: موسكو، رغم العقوبات الغربية والحرب في أوكرانيا، ما زالت جزءا أساسيا من معادلة القوة في آسيا. الصين أرادت أن تقول إن روسيا ليست معزولة كما يريد الغرب تصويرها وإن شراكتها الاستراتيجية مع بكين تمثل ركيزة في مواجهة الضغوط الغربية.

أما رئيس الوزراء الباكستاني شهباز شريف، فقد شكّل ظهوره وسط هذه المجموعة رمزية خاصة. باكستان تُعد همزة وصل بين الصين والعالم الإسلامي وبين جنوب آسيا والشرق الأوسط. مشاركته في الصف الأول توحي بأن بكين وموسكو تنظران إلى إسلام آباد كعنصر مكمل لهذه المنظومة، سواء في مشاريع الطاقة أو في الممرات الاقتصادية التي تربط الشرق بالغرب.

وجود الزعيم الكوري الشمالي كيم جونغ أون أضفى بعدا عسكريا صارخا على الصورة. كوريا الشمالية، رغم عزلتها الدولية، ما زالت تمثل ورقة ضغط نووية بيد المحور الشرقي. إبراز صورته مع القادة الثلاثة الآخرين حمل رسالة مباشرة إلى واشنطن وحلفائها في شرق آسيا بأن أدوات الضغط في يد بكين متعددة وتشمل القوة العسكرية.

المشهد برمته صيغ بعناية ليعطي انطباعا بأن الشرق يشهد طلوع قوة جديدة. التركيز لم يكن على الأشخاص وإنما على رمزية التحالفات. هذا الرباعي يعكس محورا صينيا روسيا باكستانيا كوريا يتشكل تدريجيا ويشير إلى تحدٍ مباشر للهيمنة الغربية المستمرة منذ قرون.

قراءة هذا المشهد تفتح الباب على بعد تاريخي أعمق. فالتاريخ يثبت أن موازين القوة لا تبقى في يد أمة واحدة إلى الأبد. قبل نحو 1400 عام انتقلت السيادة من الروم والفرس إلى المسلمين الذين ورثوا حضارات كبرى كالمصرية والبابلية والآشورية.
وبعد قرون، انتقل زمام القيادة إلى الغرب الذي فرض هيمنته على العالم منذ القرن الخامس عشر. واليوم، بعد قرون من السيطرة الغربية نشهد دورة جديدة مع تراجع نفوذ الغرب وصعود الشرق بقيادة الصين.

الصين، عبر هذا العرض، لم تكتف بتقديم قوتها العسكرية وإنما قدمت أيضا صورة سياسية تقول إن العالم يدخل مرحلة انتقالية. القوى الصاعدة أصبحت في الصف الأول بينما الغرب يواجه تحدي التراجع.
واشنطن وحلفاؤها مدعوون إلى قراءة هذه الرسائل جيدا، فهي ليست مشاهد بروتوكولية عابرة بل مؤشرات على إعادة رسم موازين القوة العالمية.

الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري ل UrKish News

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى