آراء و مقالات

نهاية الهيمنة الغربية: العالم على أبواب عصر جديد

تعبيرية (Linkedin)

يشهد العالم اليوم مرحلة تاريخية نادرة حيث تتغير موازين القوة والتحكم في الشؤون العالمية بعد قرون من الهيمنة الغربية. هذا التحول لا يحدث بين ليلة وضحاها بل يبدأ بعلامات أولية يلاحظها الخبراء قبل أن تصبح واضحة للجميع. التاريخ يقدم أمثلة على انتقال السيطرة بين الحضارات: قبل 1400 عام انتقلت السلطة من الإمبراطوريتين الرومانية والفارسية إلى المسلمين الذين حكموا العالم لحوالي 600 عام ثم بدأت مرحلة ضعفهم وبرز الغرب كقوة مهيمنة.

خلال هذه التحولات، تتبدل مسارات العلم والمعرفة أيضا. الحضارة اليونانية تركت إرثا معرفيا حمله المسلمون إلى الأمام ثم أكمله الغرب. بعد العصور اليونانية الإسلامية والغربية، بدأ العالم الآن يدخل عصر العلم الرابع ويظهر دوره الجديد في بكين وهو ما يشير إلى تحول جديد في مراكز القوة الفكرية والسياسية.

ما يميز هذا العصر هو التداخل بين القوة والاقتصاد والسياسة. الغرب، رغم تفوقه العسكري والتكنولوجي لعقود، أصبح عاجزا عن فرض إرادته في ملفات استراتيجية هامة. فمثلا، الولايات المتحدة لم تتمكن من منع الهند من شراء النفط الروسي بالرغم من تهديداتها بالرسوم الجمركية. في المقابل، نجح الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في دفع الهند للتقارب مع الصين في خطوة كشفت عن محدودية قدرة الهيمنة الغربية على التحكم بالموازين الدولية.

الصين وروسيا نجحتا في فرض نماذج جديدة للتعاون العالمي. في تيانجن، عرضت القيادة الصينية نظاما عالميا متوازنا يحد من الاعتماد على الدولار ويؤسس لآليات مالية بديلة. هذا يبعث برسائل واضحة لدول الجنوب العالمي بأن هناك بدائل لحماية مصالحها الاقتصادية ويؤكد أن الهيمنة الغربية لم تعد مطلقة.

اتفاق “سيبيريا 2” بين روسيا والصين يعكس هذا التحول عمليا. الصين ستشتري كامل الغاز الذي كان يذهب لأوروبا ما يعني تسارع عملية تراجع الصناعات الأوروبية. الاقتصادات الأوروبية تواجه صعوبات هيكلية وقد تضطر بريطانيا وفرنسا للجوء إلى تدخلات مالية عاجلة بينما ينشغل قادتهم بدعم أوكرانيا بالمليارات، في مؤشر على فقدان الأولويات الاستراتيجية للغرب.

إقرأ أيضا: التعايش بدل الصدام.. ملامح نظام دولي يتشكل من الشرق

الولايات المتحدة التي حكمت العالم لمدة 80 عاما بقيادة أمريكية، أظهرت خلال فترات تراجعها انشغال قيادتها بقضايا شخصية أكثر من الاستراتيجية، مثل السعي لجائزة نوبل للسلام أو تصفية حسابات قديمة. هذا يعكس هشاشة الهيمنة الغربية في أوقات الانحدار.

اليوم، نشهد أمام أعيننا كيف تتشكل موازين القوة الجديدة. التحول العالمي من الغرب إلى الشرق ليس مجرد تحول سياسي أو اقتصادي بل هو إعادة ترتيب كاملة لمراكز القرار والمعرفة ما يجعل العالم على أعتاب مرحلة جديدة، حيث الهيمنة لن تكون حصرية لأمة واحدة بل متوازنة وأكثر شراكة بين القوى الصاعدة.

هذا التحليل يشير إلى أن المستقبل سيشهد نظاما عالميا متعدد الأقطاب وأن أي محاولة للسيطرة المطلقة ستواجه قيودا عملية وسياسية وأن الزمن الذي كانت فيه أمريكا والغرب وحدهما الحاكم المطلق للعالم بدأ في الانتهاء.

المقال باللغة الأردية كتبه المحلل العسكري الباكستاني رعايت الله فاروقي وتم نقله إلى اللغة العربية بواسطة ثاقب احمد والآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري ل UrKish News.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى