آراء و مقالات

التعايش بدل الصدام.. ملامح نظام دولي يتشكل من الشرق

تعبيرية (eurasiareview)

العالم يقف اليوم أمام لحظة مفصلية تشبه التحولات الكبرى التي تكررت كل خمسة أو ستة قرون. هذه هي المرة الرابعة في التاريخ المعلوم لكنها تختلف عن سابقاتها في أن التحول يجري حتى الآن من دون حرب كبرى.
الولايات المتحدة حاولت الدفع نحو أجواء مواجهة غير أن قدرتها على شن حروب استنزفتها تدخلاتها الطويلة في أفغانستان والعراق، حتى باتت عاجزة عن فرض هيمنتها العسكرية كما فعلت في الماضي.

في هذا السياق تبرز مسألة الصراع مع الصين. قبل ثلاث سنوات جرت في أكسفورد يونيون مناظرة بعنوان “الرقص مع التنين” (Dancing With The Dragon) بين النائب البريطاني وِنس كيبِل والخبير الأمريكي مايكل بِلزبري، قال فيها الأخير جملة كاشفة: “لن نسمح للصين أن تطير بقاذفات نووية مثلنا”.
الكلمة المفتاحية هنا هي “لن نسمح“. فهي ليست مجرد تعبير عرضي بل تلخص ذهنية السياسة الخارجية الأمريكية على مدى ثمانية عقود التي دارت حول ثنائية “المنع” و”العقاب”. ردّ كيبِل كان لافتًا حين ذكّر الأمريكيين بأن بريطانيا مرت باللحظة ذاتها عندما انتقلت القوة من يدها إلى واشنطن واضطرت للتسليم بالواقع الجديد. الرسالة كانت واضحة: الولايات المتحدة بدورها ستعتاد فقدان موقعها المركزي.

السؤال الأكثر أهمية بالنسبة لدول صغيرة ومتوسطة الحجم ليس في صراع الكبار بحد ذاته بل في انعكاساته المباشرة عليها. هل سيتبدل موقع هذه الدول مع صعود الصين أم أن الأمر لن يتجاوز استبدال طرف ضاغط بآخر؟

لفهم هذا التحول، لا بد من الإشارة إلى أن النظام الدولي يتجه نحو تعددية قطبية. الصين تمثل “المعسكر الجنوبي” أو الجنوب العالمي أي نحو 80 في المئة من دول العالم. روسيا أقرب إلى أن تكون الشريك الأكبر للصين. في المقابل، تقف الولايات المتحدة ومعها بضع عشرات من الحلفاء. هذه المعادلة تكشف أن الثقل الجيوسياسي المستقبلي سيكون في صالح بكين.

الاختلاف الجوهري بين واشنطن وبكين يتجلى في الرؤية الاقتصادية. الولايات المتحدة بنت قوتها على قاعدة “المجمّع الصناعي العسكري” ورأت في تجارة السلاح والحروب المستمرة مصدرًا للربح والنفوذ. الصين سلكت مسارًا مختلفًا رأت في مليارات البشر زبائن محتملين، فركزت على إنتاج ما يحتاجونه وبيعه. هذا النهج جعل ازدهار الشعوب جزءًا من مصالحها الاستراتيجية لأن الفقير والمريض لن يكون قادرًا على شراء البضائع الصينية.

العنصر الثاني يتمثل في السياسة الخارجية. الصين وروسيا تلتزمان مبدأ “عدم التدخل في شؤون الدول الأخرى” وهو نقيض النهج الأمريكي الذي ارتكز لعقود على فرض أنظمة سياسية وثقافية من مناهج التعليم إلى شكل الحكم والدساتير، بل وصولًا إلى سياسات تغيير الأنظمة.

أما العنصر الثالث فيخص الرؤية الحضارية. الرئيس الصيني شي جين بينغ أكد في الذكرى المئوية للثورة أن تنوع الحضارات يشبه باقة زهور متعددة الألوان وأنه ميزة لا عيب. بعده أعلن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين أن المرحلة المقبلة ستكون للتعايش بين الحضارات بعيدًا عن الضغوط والصدام.
هذه التصريحات بدت موجهة بشكل مباشر إلى الطرح الأمريكي الذي سعى لفرض نموذج “الليبرالية” كنمط عالمي وحيد منذ انهيار الاتحاد السوفيتي.

إقرأ أبضا: نهاية الهيمنة الغربية: العالم على أبواب عصر جديد

يبقى السؤال: هل تلتزم الصين وروسيا بهذه المبادئ إذا ما استقرت السلطة العالمية في أيديهما؟ المؤشرات تدل على أن التجربة المريرة مع التدخلات الأمريكية تجعلهما أكثر حرصًا على احترام مبدأ السيادة.
الولايات المتحدة لم تتعلم من أخطائها بينما استخلصت بكين وموسكو دروسًا عميقة منها. وهذا ما يفتح بابًا لاحتمال أن يكون التحول القادم فرصة لتوازن عالمي جديد يمنح الدول الصغرى مساحة أوسع من الاستقلالية والخيارات.

المقال باللغة الأردية كتبه المحلل العسكري الباكستاني رعايت الله فاروقي وتم نقله إلى اللغة العربية بواسطة ثاقب احمد والآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري ل UrKish News.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى