آراء و مقالات

من عمّان إلى الدوحة: ماذا بعد سقوط الرهان على الحسم؟

تعبيرية بواسطة الذكاء الاصطناعي (UrKish)

في لحظة بدت محسوبة بدقة، حاولت إسرائيل توجيه ضربة قاصمة لقيادة حركة حماس في الدوحة، غير أن العملية انتهت بإخفاق مدوٍ يعيد إلى الأذهان إخفاقات سابقة طاردت رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو منذ تسعينيات القرن الماضي.

في عام 1997 نفذ جهاز “الموساد” محاولة لاغتيال خالد مشعل في العاصمة الأردنية عمّان. العملية فشلت وأدخلت إسرائيل في أزمة سياسية وأمنية دفعتها تحت ضغط أمريكي لتسليم الترياق وإنقاذ حياة مشعل، إضافة إلى إطلاق سراح الشيخ أحمد ياسين وعدد من الأسرى الفلسطينيين.
واليوم، المشهد يتكرر في الدوحة بصورة مختلفة لكن بالنتيجة ذاتها: إحراج إسرائيلي وصعود جديد في مكانة الحركة.

بحسب مصادر في حماس، كان وفد الحركة يعقد اجتماعا سريا في مبنى قريب من الموقع المستهدف. إجراءات أمنية اعتيادية مثل تغيير مكان الاجتماع ومنع الهواتف حالت دون إصابة القادة. الطائرات الإسرائيلية قصفت المبنى الخطأ فيما وصفه مسؤولون إسرائيليون بأنه عملية نوعية ضد قيادة الحركة.
سرعان ما تبددت النشوة الإسرائيلية إلى حالة من الارتباك والتراشق الداخلي إذ اضطر زعيم المعارضة يائير لابيد إلى حذف بيان أشاد فيه بالعملية واستبداله بمطالبة بتوضيح مصير الرهائن.

العملية التي أُطلق عليها اسم “قمة النار” لم تكن تستهدف حماس فحسب بل أرادت إيصال رسالة إلى قطر والدول الأخرى التي تستضيف قيادات الحركة. الرسالة تقول إن إسرائيل مستعدة لانتهاك سيادة أي دولة في المنطقة وأن يدها العسكرية قادرة على الوصول إلى الدوحة أو حتى أنقرة التي هددها نتنياهو سابقا.

المحلل السياسي الإسرائيلي مناحيم كلاين يرى أن إسرائيل تحولت إلى “مجتمع إبادة” تخلى عن الدبلوماسية واعتمد القوة وحدها. هذا النهج يتجاوز غزة والضفة ليشمل دولاً كإيران وسوريا وتركيا في سياق مشروع يقوم على فرض التفوق اليهودي على مستوى إقليمي.

الضربة لم تكن مجرد إخفاق عسكري بل مثلت إعلانا عمليا عن نهاية أي مسار تفاوضي. الوفد الحمساوي كان بصدد مناقشة مقترح لوقف إطلاق النار أعده الرئيس الأمريكي دونالد ترامب لكن محاولة الاغتيال قضت على فرص الوساطة.
مصر أنهت دورها والوساطة القطرية باتت موضع شك. خلال العامين الماضيين أفشل نتنياهو سبع محاولات للتوصل إلى اتفاق ما يؤكد أنه يسعى إلى الحسم بالقوة لا بالمفاوضات.

فشل العملية عزز صورة حماس كحركة مقاومة. لم يعد ممكنا اتهام قيادتها في الخارج بالعيش في رفاهية بينما غزة تعاني، بل باتت في قلب المواجهة. في لبنان، عزز الحدث حجج حزب الله الرافض لنزع سلاحه.
أما في الخليج، فتواجه السعودية والإمارات والبحرين والأردن معضلة سياسية بعد تقارير إسرائيلية تحدثت عن “تنسيق” مع دول أخرى في استهداف الدوحة ما قد يضع هذه الدول في مواجهة غضب شعبي داخلي ويهدد استمرارية اتفاقات أبراهام.

على الصعيد الداخلي، جاءت الضربة الفاشلة في أسبوع دموي شهد هجمات في القدس وسقوط جنود في غزة. بالنسبة لنتنياهو الذي يكرر منذ عامين أن النصر بات وشيكا، فإن مصداقيته تتآكل بسرعة. إسرائيل لم تحقق هدفها العسكري فيما ارتفعت خسائرها البشرية بينما كسبت حماس زخما سياسيا.

الولايات المتحدة حاولت التنصل من العملية لكن المظلة الأمنية الأمريكية فقدت قيمتها بنظر حلفائها. ما دفعته دول الخليج ثمنا للحماية لم يمنع خرق الأجواء أو زعزعة الاستقرار. أما اتفاقات أبراهام التي رُوّج لها كمدخل للسلام فقد بدت عاجزة عن ضمان أي استقرار حقيقي.

الضربة الإسرائيلية في الدوحة لم تحقق أهدافها بل أضعفت موقف نتنياهو داخليا وأحرجت حلفاءه إقليميا وعززت مكانة حماس في الصراع.
الدرس الذي يفرض نفسه هو أن الاعتراف بإسرائيل لا ينتج سلاما وأن توازن القوى وحده عبر تحالفات إقليمية تفرض العزلة الدبلوماسية والاقتصادية على تل أبيب، قد يكون السبيل الوحيد لوقف سياساتها التوسعية.

المقال باللغة الإنجليزية نشره موقع “MEE” البريطاني وتم نقله إلى اللغة العربية بواسطة أمينة أحمد والآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري ل UrKish News.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى