آراء و مقالات

التشرذم الحزبي والتطرف المتصاعد… هل تتجه الولايات المتحدة نحو حرب أهلية؟

تعبيرية (Trends)

في العاشر من سبتمبر الجاري، اهتزت الولايات المتحدة على وقع جريمة اغتيال سياسي استهدفت الناشط الجمهوري البارز تشارلي كيرك. الشرطة أعلنت اعتقال شاب يبلغ من العمر 22 عاما يدعى تايلر روبنسون فيما تشير التحقيقات الأولية إلى أن الدافع يرتبط بخلفية سياسية متطرفة.
الحادث لم يكن مجرد جريمة جنائية بل كشف عن عمق الانقسام الأمريكي وعودة سؤال قديم: كيف تحولت الدولة التي ادّعت قيادة الحرب على التطرف إلى ساحة رئيسية له؟

المفارقة الأولى أن هذه الجريمة وقعت داخل حرم جامعي ومع ذلك لم يُطرح في الولايات المتحدة ذلك الخطاب الذي طالما صُدّر إلى الخارج حول “دور المناهج التعليمية في إنتاج التطرف”. على العكس، انشغل الإعلام في البحث عن تفسيرات بديلة حتى إن إحدى المذيعات حاولت ربط التطرف بألعاب الفيديو غير أن الفرضية سقطت سريعا أمام حقيقة أن اليابان هي الدولة الأكثر استهلاكا لتلك الألعاب من دون أن تشهد صعودا مشابها للتطرف.

التقارير الأمريكية الرسمية نفسها تعترف بأن الفترة بين 2016 و2024 شهدت ارتفاعا في مظاهر التطرف بنسبة 360 في المئة. هذه الأرقام تضع الولايات المتحدة في مواجهة سؤال أكبر: كيف تضاعف الخطر داخليا في وقت أنفقت فيه واشنطن عقدين من الزمن بعد أحداث 11 سبتمبر في حروب خارجية تحت شعار “محاربة الإرهاب“؟

لمن يعرف التاريخ الاجتماعي والسياسي الأمريكي، يبدو الجواب واضحا. جذور التطرف لم تُقتلع يوما. صحيح أن السود حصلوا على حقوقهم المدنية في النصف الثاني من القرن العشرين لكن العنصرية بقيت كامنة في البنية المجتمعية. حادثة تفجير أوكلاهوما سيتي في التسعينات كانت واحدة من محطات تذكير بأن الكراهية لم تنتهِ. ومع ترشيح باراك أوباما عام 2008 وما مثله فوزه من لحظة تاريخية للسود والأقليات، ظهر الوجه الآخر لتيار تفوق العرق الأبيض.

في تلك اللحظة، كان دونالد ترامب هو السياسي الذي التقط المزاج العام. بدأ بتشكيك علني في هوية أوباما عبر قضية “شهادة الميلاد” ثم تحوّل تدريجيا إلى قائد غير معلن لحركة سيادة البيض. بحلول انتخابات 2016، تحولت هذه الحركة إلى رافعة انتخابية لترامب عبر خطاب ركز على استهداف المهاجرين والمسلمين واللاتينيين والآسيويين. الحظر الذي فرضه على دخول مواطني سبع دول مسلمة كان عنوانا صريحا لهذا التوجه.

لكن المشهد لم يقتصر على ترامب وحده. مستشاروه البارزون مثل ستيف بانون وستيفن ميلر واصلوا تأجيج الكراهية سواء عبر الإعلام أو المنصات الرقمية. ومع هزيمة ترامب في انتخابات 2020، انفجرت الأزمة إلى مستوى غير مسبوق مع الهجوم على مبنى الكابيتول. المشهد أوضح أن التطرف لم يعد محصورا في معسكر واحد فقد شهد يوم تنصيب ترامب نفسه احتجاجات عنيفة من الليبراليين استدعت تدخل الحرس الوطني.

تعمّق الانقسام أكثر مع وصول جو بايدن إلى السلطة. الديمقراطيون لجأوا إلى القضاء في مواجهة ترامب في مشهد رآه كثيرون استنساخا لأساليب دول “العالم الثالث”. المداهمات والاتهامات والجدل الإعلامي كلها غذّت شعورا عاما بأن البلاد دخلت مرحلة انتقام سياسي متبادل.

اغتيال تشارلي كيرك جاء في هذا السياق الملتهب. طريقة تنفيذ العملية بدت أقرب إلى “عرض متعمد” يراد به بث الرعب في صفوف مؤيدي ترامب عبر المنصات الرقمية. في المقابل، انتشرت مقاطع على وسائل التواصل لشبان ليبراليين يحتفلون بالحادث. السلطات ردت بتهديدات بإلغاء جوازات السفر وحجب الحسابات وأغلقت بالفعل آلاف الحسابات.

اليوم، ومع دخول ترامب عامه الأول في ولايته الثانية، يبدو أن التطرف بات أداة متبادلة بيد معسكري اليمين واليسار. الأخطر أن إدارة ترامب تحاول استثمار مقتل كيرك سياسيا عبر نسب “وصايا” إليه لتبرير مزيد من السياسات المتشددة ضد خصومه.

المشهد الأمريكي يزداد خطورة عندما يوضع في إطاره الكامل: دولة مسلحة حتى العظم، مثقلة بديون تتجاوز 36 تريليون دولار، تملك ترسانة نووية ويعيش شعبها على وقع استقطاب سياسي غير مسبوق. احتمال الانزلاق إلى حرب أهلية لم يعد مجرد فرضية أكاديمية بل احتمال تطرحه وقائع يومية.

يبقى السؤال الأعمق: هل الولايات المتحدة ماضية نحو إعادة إنتاج ما حذر منه الفيلسوف محمد إقبال حين قال إن الحضارة قد تنتحر بخنجرها؟

المقال باللغة الأردية كتبه المحلل العسكري الباكستاني رعايت الله فاروقي وتم نقله إلى اللغة العربية بواسطة حسن محمود والآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري ل UrKish News.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى