
ثاقب أحمد
صنّف تقرير المخاطر العالمية 2024 الصادر عن المنتدى الاقتصادي العالمي (WEF) الهند كأعلى دولة في العالم من حيث انتشار المعلومات المضللة والمغلوطة للمرة الثانية على التوالي. وأكد تقرير 2025 استمرار الهند في الصدارة ضمن هذا التحدي الرقمي.
يأتي هذا التصنيف في ظل تنامي القلق الدولي بشأن تراجع دقة المعلومات في النقاش العام. الهند التي تشهد تحولا رقميا سريعا وتواجه انقسامات اجتماعية عميقة، تواجه أزمة تتطلب حلولا عاجلة ومنهجية.
يبلغ عدد مستخدمي الإنترنت في الهند أكثر من 880 مليون حتى عام 2023 مع تزايد اعتماد الجمهور على منصات مثل واتساب وفيسبوك ويوتيوب كمصادر أساسية للأخبار. وتمثل هذه المنصات بيئة خصبة للمعلومات المضللة حيث يختلط أحيانا المحتوى الخاطئ الذي يُنشر دون قصد مع الحملات الخادعة المتعمدة.
الدراسات تشير إلى أن التعرض المتكرر للمعلومات الخاطئة يعزز تصديقها ويجعلها صعبة التصحيح ما يترجم إلى تأثير ملموس على الرأي العام والسلوك المجتمعي.

نجاح الثورة الرقمية في الهند جاء على حساب عدم تكافؤ الثقافة الرقمية. ملايين المستخدمين الجدد، خاصة في المناطق الريفية وشبه الحضرية، يفتقرون إلى مهارات تقييم المحتوى ما يجعلهم عرضة لتصديق الأخبار المزيفة. دراسة عام 2022 أظهرت أن 38% فقط من مستخدمي الإنترنت قادرون على تحديد الأخبار الكاذبة بثقة.
خلال جائحة كوفيد-19، ساهمت المعلومات المغلوطة في انتشار علاجات وهمية وأثرت على جهود الصحة العامة بينما تسببت شائعات حول مختطفي الأطفال في 2018 بحدوث أعمال عنف أودت بحياة أكثر من 30 شخصا.
الأزمة تتفاقم بفعل بيئة سياسية واستقطاب إعلامي عميق. وسائل الإعلام أصبحت أكثر ميلا لروايات حزبية فيما طورت الأحزاب السياسية حملات رقمية منظمة تستهدف الانقسامات الدينية والطبقية.
الانتخابات العامة 2019 شهدت حملات منسقة لنشر فيديوهات معدلة واقتباسات ملفقة. تشير الحقائق إلى أن المعلومات المضللة تتحول في بعض الأحيان إلى أعمال عنف واقعية كما حصل في أعمال شغب دلهي 2020 التي أسفرت عن 53 وفاة.
تستفيد المعلومات المضللة من الانحياز التأكيدي حيث يقبل الأفراد المعلومات التي تتوافق مع معتقداتهم، إضافة إلى تأثير الحقيقة الوهمية الذي يجعل الادعاءات المألوفة تبدو أكثر مصداقية. هذا التأثير يكون مضاعفا في مجتمع متنوع مثل الهند حيث ترتبط الهويات بالدين والطبقة والمنطقة وتعمل غرف الصدى المجتمعية على تعزيز المعلومات المضللة وجعلها مقاومة للتصحيح.
الطوائف المهمشة، مثل المسلمين والداليت والقبائل، غالبا ما تجد نفسها مستهدفة بحملات تضليلية ولا تمتلك وسائل مواجهة متكافئة.

ظهرت منظمات تحقق الحقائق مثل Alt News وBoom Live للتصدي للمعلومات المضللة لكنها تغطي بشكل رئيسي المدن والناطقين بالإنجليزية.
شركات التكنولوجيا نفذت تدابير مثل تقييد إعادة التوجيه على واتساب ووضع تنبيهات على المحتوى المحوّل، بالإضافة إلى التعاون مع جهات تدقيق خارجية على فيسبوك لكنها غالبا ما تتأخر أمام سرعة انتشار التضليل وأساليبه المعقدة.
القوانين الهندية، بما في ذلك قواعد تكنولوجيا المعلومات 2021، تطالب بإزالة الأخبار الكاذبة خلال 36 ساعة لكن ذلك أثار مخاوف بشأن حرية التعبير وإمكانية إساءة استخدام السلطات لهذه الصلاحيات.
معالجة الأزمة تتطلب نهجا متعدد الأبعاد يشمل التعليم الرقمي والإعلامي وتعزيز الوعي لدى الجمهور، خصوصا في المدارس والجامعات والمناطق الريفية.
برامج مثل Digital Sathi التي تدرب متطوعين مجتمعيين على التعرف على المعلومات المضللة ومواجهتها أظهرت نتائج إيجابية. على شركات التكنولوجيا الاستثمار في مراقبة المحتوى المحلية، مع مراعاة التنوع اللغوي الذي يشمل أكثر من 22 لغة رسمية لضمان تغطية شاملة لمنع انتشار المحتوى الضار.
تجربة الهند تظهر أن الحلول التقنية وحدها غير كافية. يتطلب الأمر دمج التعليم الرقمي، المشاركة المجتمعية وتطبيق لوائح قانونية متوازنة تحمي حرية التعبير.
انتشار المعلومات المضللة في أكبر ديمقراطية يسلط الضوء على ضرورة التعاون بين الحكومة، شركات التكنولوجيا والمجتمع المدني لضمان بيئة رقمية شفافة وموثوقة، تحافظ على الديمقراطية وتوفر معلومات دقيقة للمواطنين.
أحد الأمثلة الفاضحة كان بعد هجوم انتحاري في بلوامة حيث انتشر تسجيل مزيف على فيسبوك بشكل واسع قبل حذفه مع ملايين المشاهدات والمشاركات مما يؤكد محدودية قدرة المنصات على السيطرة على انتشار الأكاذيب، خصوصا عند وجود مجموعات منظمة وأحزاب سياسية وراء هذه الحملات.
تخلص التحليلات إلى أن مكافحة المعلومات المضللة تتطلب وعي المجتمع، تضافر الجهود المؤسسية وتنفيذ آليات فعالة للرقابة الرقمية لضمان أن تظل الحقيقة والمعلومة الدقيقة ركيزتين أساسيتين في المجتمع الهندي.
الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري ل UrKish News.