آراء و مقالات

الاتفاق الدفاعي بين السعودية وباكستان يربك حسابات الهند وإسرائيل

صورة تعبيرية مولدة بالذكاء الاصطناعي (UrKish)

توقيع السعودية وباكستان اتفاق الدفاع المشترك في الرياض في 17 سبتمبر 2025 لم يكن خطوة بروتوكولية بل إعلانًا سياسيًا يعيد رسم ملامح الأمن الإقليمي. فالمملكة التي اعتمدت لعقود على المظلة الأمريكية، قررت هذه المرة أن تضع رهانًا جديدًا على القوة النووية الوحيدة في العالم الإسلامي، في رسالة مباشرة إلى واشنطن وطهران وتل أبيب بأن الرياض تملك خيارات بديلة.

نص البيان الرسمي على أن “أي اعتداء على أي من البلدين يُعد اعتداءً على كليهما” وهي صيغة تشبه بنود التحالفات الدفاعية الكبرى مثل حلف الناتو ما يعني أن العلاقة التقليدية القائمة على الدعم المالي والعسكري المحدود تطورت إلى التزام متبادل في الخطاب السياسي والعسكري.

منذ ثمانينيات القرن الماضي، شكلت باكستان العمود الأمني غير المعلن للسعودية. فقد أرسلت ضباطًا وجنودًا إلى المملكة خلال حرب إيران والعراق وتولت عبر جنرالاتها قيادة التحالف الإسلامي العسكري في اليمن عام 2015. لكن الجديد في اتفاق 2025 هو أن الرياض لم تعد الطرف المستفيد فقط من القدرات الباكستانية بل أصبحت شريكًا مباشرًا في إطار دفاعي متبادل ولو على المستوى الرمزي.

ورغم أن الاتفاق لا يعني بالضرورة تدخلاً عسكريًا سعوديًا في نزاعات جنوب آسيا إلا أن رمزيته السياسية أكبر من مضمونه العملياتي. فهو يكرس مبدأ “الردع المتبادل” بين قوتين مسلمتين كبيرتين في مواجهة بيئة إقليمية متوترة، ويمنح السعودية ورقة ضغط جديدة في التعامل مع إيران وإسرائيل والولايات المتحدة على حد سواء.

رسائل إلى واشنطن وطهران وتل أبيب
توقيت الاتفاق كان لافتًا. فقد جاء بعد أقل من أسبوعين على الضربة الإسرائيلية للدوحة التي أثارت غضب العواصم الخليجية. في هذا السياق، أرادت السعودية أن تؤكد أن أمنها القومي لن يبقى مرهونا بتقلبات القرار الأمريكي. وبإبرامها اتفاقًا دفاعيًا مع دولة نووية، تضع الرياض نفسها في موقع مختلف عن تحالفات الخليج التقليدية المعتمدة على الغرب.

ورغم تأكيد المسؤولين السعوديين أن الاتفاق خُطط له منذ سنوات، فإن مؤشرات اللحظة السياسية لا يمكن تجاهلها. فقد تبع الضربة الإسرائيلية انعقاد جلسة طارئة للجامعة العربية ومنظمة التعاون الإسلامي وجهت خلالها إدانات واسعة لتل أبيب. وبذلك يصبح الاتفاق امتدادًا عمليًا لتوجه سعودي يسعى إلى توسيع هوامش المناورة الاستراتيجية بعيدًا عن الاصطفافات القديمة.

تأثيرات مباشرة على الهند
بالنسبة للهند، يمثل الاتفاق تحديًا استراتيجيًا مزدوجًا. فمن جهة، يمنح باكستان دفعة سياسية ومعنوية تعزز شعورها بالأمن وتزيد قدرتها على المناورة في ملف كشمير. ومن جهة أخرى، يضعف الرهان الهندي على تحالفها المتنامي مع الرياض.

منذ 2016، بذل رئيس الوزراء ناريندرا مودي جهودًا كبيرة لبناء علاقات اقتصادية وأمنية مع السعودية وحصل على أرفع وسام مدني سعودي. كما توسع التعاون في مشروعات كبرى مثل “IMEC” و”I2U2“. إلا أن توقيع الاتفاق الدفاعي مع إسلام آباد يمثل نكسة واضحة لهذه السياسة.

الهند تخشى من أن يؤدي الاتفاق إلى تقييد حرية حركتها العسكرية ضد باكستان. فبعد هجوم باهالجام في أبريل 2025، تبنت نيودلهي عقيدة “الردع بالعقاب” وعلقت اتفاقية مياه السند وأطلقت عملية “سِيندور“. لكن في ظل الاتفاق الجديد، قد تُصوّر أي ضربة هندية لباكستان على أنها عدوان ضد السعودية أيضًا ما يزيد من كلفة التصعيد.

تأثيرات غير مباشرة على إسرائيل
إسرائيل تواجه مفارقة معقدة. فباكستان لا تعترف بها وتتبنى موقفًا عدائيًا ثابتًا من سياساتها تجاه الفلسطينيين لكنها الآن أصبحت شريكًا دفاعيًا للدولة التي كانت تُعد أقرب حليف عربي محتمل لتل أبيب. في المقابل، لا تزال السعودية تترك الباب مفتوحًا للتعاون الاقتصادي والأمني غير المعلن مع إسرائيل لكنها تربط أي خطوة سياسية علنية بتحقيق تقدم في الملف الفلسطيني.

الاتفاق يضع الرياض في موقع “الوسيط المسلح” أي الدولة التي تجمع بين الردع العسكري من خلال تحالفها مع باكستان والانفتاح السياسي من خلال علاقاتها مع واشنطن وتل أبيب. في لحظة تشهد تصاعدًا في الانتقادات الدولية لإسرائيل بسبب حرب غزة وضربة الدوحة، يعزز الاتفاق موقع السعودية كقائد سياسي في العالم الإسلامي دون أن يغلق الباب أمام الخيارات المستقبلية.

تحول في البنية الأمنية الإقليمية
التحالف السعودي الباكستاني لا يغير فقط طبيعة العلاقة بين البلدين بل يعيد تشكيل منظومة الأمن في الشرق الأوسط وجنوب آسيا. فهو يربط بين محورين إقليميين كانا منفصلين نسبيًا: محور الخليج العربي ومحور جنوب آسيا النووي.

حتى لو لم يتطور الاتفاق إلى تحالف عسكري فعلي، فإنه يفرض معادلة جديدة في الردع. الرياض باتت تملك مظلة أمنية ذات بعد نووي غير معلن بينما تحصل إسلام آباد على عمق مالي وسياسي يعزز موقعها الإقليمي. أما واشنطن ونيودلهي وتل أبيب، فعليها التعامل مع واقع جديد حيث لم تعد السعودية جزءًا ثابتًا من معادلة التحالفات الغربية التقليدية.

الرسالة واضحة: السعودية تعيد صياغة أمنها القومي بيدها وباكستان تستعيد دورها كفاعل مركزي في الأمن الإسلامي. أما الهند وإسرائيل، فعليهما إعادة حساباتهما في ضوء واقع استراتيجي جديد يتشكل على حدود الخليج وجنوب آسيا في آن واحد.

االمقال باللغة الإنجليزية نشرته جريدة “Jerusalem Post” (جيروزاليم بوست) وتم نقله إلى اللغة العربية بواسطة ثاقب أجمد والآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري ل UrKish News.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى