في ظل تزايد انتشار اضطراب القلق (Anxiety) في العصر الحديث كشفت دراسة علمية حديثة عن تأثير غير متوقع لهذا الاضطراب على قدرات التفكير الإبداعي لدى الأفراد. فعلى الرغم من أن القلق يُعرف عادةً بتأثيره السلبي على الصحة النفسية والجسدية، أظهرت نتائج البحث أن له جانباً آخر يتعلق بتحفيز الإبداع وإن كان ذلك بطريقة معقدة وغير متوقعة.
بحسب الدراسة التي نُشرت في مجلة Creative Behavior تبيّن أن الأشخاص الذين يعانون من القلق يميلون إلى إنتاج عدد أكبر من الأفكار مقارنة بغيرهم. ومع ذلك فإن هذه الوفرة في الأفكار لا تعني بالضرورة جودة عالية أو تميزاً إذ أوضحت النتائج أن الأفكار الناتجة غالباً ما تكون متشابهة وتفتقر إلى عنصر التفرد والابتكار.
شملت الدراسة 647 مشاركاً حيث طُلب منهم التفكير في حلول إبداعية لمواقف مالية واقعية مثل كيفية جمع مبلغ كبير من المال في فترة زمنية قصيرة. تم تقسيم المشاركين إلى مجموعتين عُرضت عليهما سيناريوهات مختلفة تتطلب التفكير النقدي والإبداعي.
قام الباحثون بتحليل المقترحات التي قدمها المشاركون بهدف تقييم مستوى الإبداع والتنوع فيها. وقد أظهرت النتائج أن الأفراد المصابين بالقلق قدموا عدداً أكبر من الأفكار خاصةً عند التعامل مع سيناريوهات تنطوي على تحديات أو مواقف سلبية. ومع ذلك لاحظ الباحثون أن هذه الأفكار كانت متقاربة من حيث المحتوى وتفتقر إلى الابتكار الحقيقي.
في المقابل، قدم الأشخاص الذين لا يعانون من القلق أفكاراً أقل عدداً لكنها اتسمت بتنوع أكبر ومستوى أعلى من الإبداع والتفرد.
يُفسر الباحثون هذه الظاهرة بأن القلق يدفع الأفراد إلى التفكير المفرط كوسيلة للتعامل مع المخاوف والضغوط النفسية. هذا التدفق المستمر للأفكار قد يزيد من كمية الأفكار المنتجة لكنه يقلل من جودة التقييم النقدي والقدرة على التركيز على الأفكار الفريدة والمميزة.
ووفقاً لفريق البحث، يُعتبر هذا التأثير اكتشافاً جديداً في فهم كيفية تأثير القلق على وظائف الدماغ. إذ لم يكن معروفاً من قبل أن القلق يمكن أن يؤثر بهذا الشكل على التفكير الإبداعي مما يفتح آفاقاً جديدة لدراسة العلاقة بين الصحة النفسية والقدرات العقلية.
تشير هذه النتائج إلى أهمية إدارة القلق بطرق فعّالة للحفاظ على جودة التفكير الإبداعي خاصة في البيئات التي تتطلب اتخاذ قرارات مبتكرة وحلول غير تقليدية. كما تسلط الضوء على الحاجة إلى فهم أعمق لكيفية تأثير الاضطرابات النفسية على الأداء العقلي ليس فقط من ناحية السلبيات، بل أيضاً من حيث الجوانب غير المتوقعة التي قد تحمل تأثيرات إيجابية أو مزدوجة.
في النهاية، يؤكد الباحثون أن الاعتراف بتأثير القلق على التفكير الإبداعي قد يساعد في تطوير استراتيجيات جديدة لدعم الأشخاص الذين يعانون من هذا الاضطراب، سواء من خلال العلاج النفسي أو تحسين بيئات العمل والتعليم لتعزيز التفكير الإيجابي والإبداعي.
Web Desk
