
ماركو كارنيلوس
بينما تتغير ملامح النظام العالمي ويصعد نظام متعدد الأقطاب (Multipolar world) يتزايد القلق داخل الولايات المتحدة وأوروبا من فقدان السيطرة على قيادة العالم. هذا التحول بدا واضحًا خلال زيارة رئيسة الوزراء الإيطالية جورجيا ميلوني إلى واشنطن ولقائها مع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب حيث أعادت ميلوني طرح شعار “لنجعل الغرب عظيمًا مرة أخرى” مما أثار تساؤلات حول حقيقة هذا الطموح ومبرراته.
لطالما قاد الغرب العالم عبر ما يسمى بـ”النظام القائم على القواعد” الذي تزعمه الولايات المتحدة بعد الحرب العالمية الثانية مستندًا إلى مبادئ مثل الديمقراطية والتجارة الحرة وحرية الصحافة. لكن هذه القيم سرعان ما بدأت تفقد بريقها مع تكرار المشاهد التي تكشف عن ازدواجية المعايير، كما في حالة مأساة غزة حيث أظهرت القوى الغربية عجزها عن الالتزام بالقوانين الدولية التي تدعو إليها.
مع تراجع القيم المعلنة، بات الغرب يعتمد بشكل أكبر على فرض رؤاه بالقوة بدلاً من الإقناع حتى أن القوة الناعمة (Soft power) التي لطالما شكلت إحدى أدواته الرئيسية أصبحت تتآكل أمام أعين العالم. وفي مقابل هذا التراجع، لجأت الولايات المتحدة إلى استخدام القوة الصلبة للحفاظ على هيمنتها خاصة خلال العقود الثلاثة الماضية بعد نهاية الحرب الباردة (Cold War).
زيارة ميلوني إلى واشنطن سلطت الضوء على محاولات بعض القادة الأوروبيين لتقوية التحالف مع واشنطن وفق رؤية أكثر قومية وانعزالية أقرب إلى الترامبية. فقد قبل ترامب دعوة ميلوني لزيارة إيطاليا وهناك حديث عن لقاءات أمريكية أوروبية محتملة على هامش هذه الزيارة ما يشير إلى تحركات لإعادة رسم التحالفات الغربية بطريقة جديدة تتناسب مع التحولات الجارية.
في الوقت نفسه، أصبح واضحًا أن العالم لم يعد يحتمل فكرة القطب الأوحد. بل برزت قوى مثل الصين وروسيا والهند وغيرها لتطرح نماذج بديلة للقيادة العالمية. ومع هذا التحول، لم يعد بإمكان الغرب أن يفترض أن قيادته أمر مفروغ منه.
إذا كان الغرب يطمح لاستعادة مكانته فعليه أن يعيد النظر في أسلوب تعامله مع بقية العالم. العودة إلى “قوة القدوة” واحترام القانون الدولي باتت شروطًا ضرورية لاستعادة الثقة العالمية. أما الاستمرار في فرض الهيمنة بالقوة وتجاهل التحولات الجارية فلن يؤدي إلا إلى المزيد من العزلة والتراجع.
إن الخطاب السائد في وسائل الإعلام الغربية الذي يصور الصراع الحالي على أنه معركة وجودية بين الديمقراطية والاستبداد، لا يبدو إلا وسيلة لخلق حالة خوف بين الشعوب بهدف تبرير سباق تسلح جديد قد يقود إلى صراعات ممتدة تضر بالجميع.
في عالم اليوم، لم يعد هناك مكان لفرض الرؤى بالقوة. المستقبل يتطلب شراكات حقيقية تقوم على العدالة والاحترام المتبادل. وإذا أراد الغرب أن يكون عظيمًا مرة أخرى فعليه أن يتخلى عن استثنائيته المزعومة ويعود ليكون مثالًا يحتذى به، لا قوة تفرض شروطها على الآخرين.
المصدر: المقال باللغة الإنجليزية وتم نقله إلى اللغة العربية بواسطة عبدالرؤوف حسين، والآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري ل UrKish News.