واشنطن في معركة مالية: كيف تخطط أمريكا للدفاع عن هيمنة الدولار؟

بينما تحتل التعريفات الجمركية عناوين الأخبار تدور في الكواليس معركة أكثر تعقيدًا وأهمية تتعلق بمستقبل الدولار إذ تسعى إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب للحفاظ على الهيمنة المالية العالمية للولايات المتحدة في مواجهة تحديات متزايدة من القوى الاقتصادية المنافسة.

مشروع mBridge: بداية معركة خفية

في عام 2021، أطلق بنك التسويات الدولية (BIS) مشروعًا طموحًا تحت اسم mBridge وهو نظام مالي رقمي يهدف إلى إنشاء عملة رقمية للبنوك المركزية تسهل المعاملات عبر الحدود بين الصين وهونغ كونغ وتايلاند والإمارات العربية المتحدة والسعودية، وفق ما كتبته جيليان تيت كاتبة عمود في صحيفة “Financial Times“

كان المشروع يبدو في البداية وكأنه مجرد تجربة تقنية لكنه سرعان ما أصبح رمزًا لمعركة أوسع حول السيطرة على البنية التحتية المالية العالمية. ففي خطوة مفاجئة، انسحب بنك التسويات الدولية من المشروع قبل الانتخابات الأمريكية الأخيرة مفسحًا المجال أمام الصين وشركائها للسيطرة عليه.

ورغم أن البنك برر انسحابه بأنه أنهى مرحلة “الحد الأدنى من المنتج القابل للتطبيق” إلا أن مصادر مطلعة كشفت أن واشنطن ضغطت بقوة لإنهاء مشاركة البنك خشية أن يُستخدم المشروع للالتفاف على العقوبات الأمريكية وتقويض هيمنة الدولار.

هل الدولار في خطر؟

على الرغم من أن الدولار لا يزال العملة المهيمنة عالميًا حيث يشكل 58% من احتياطيات البنوك المركزية وفقًا لبيانات صندوق النقد الدولي، فإن هناك مؤشرات على تحركات متزايدة للتحوط ضده.

تشير تقارير مجلس الذهب العالمي إلى أن البنوك المركزية تقوم بشراء الذهب بمعدلات غير مسبوقة في خطوة قد تعكس رغبتها في تقليل الاعتماد على الدولار. في الوقت نفسه، تعمل الصين على توسيع نظامها CIPS (نظام المدفوعات بين البنوك عبر الحدود) الذي شهد زيادة بنسبة 80% في حجم معاملاته منذ عام 2022.

لكن التحدي الأكبر يكمن في أن استخدام العقوبات المالية كسلاح قد يدفع الدول إلى البحث عن بدائل. وهذا ما يجعل مشاريع مثل mBridge ذات أهمية استراتيجية حيث إنها قد توفر للدول وسيلة للتحايل على النظام المالي القائم على الدولار إذا تمكنت من العمل على نطاق واسع وبسرعة كافية.

استراتيجية واشنطن: بين الحوافز والعقوبات

مع تصاعد التهديدات المحتملة لمكانة الدولار تتباين آراء الخبراء حول كيفية استجابة الولايات المتحدة.

كريس جيانكارلو الرئيس السابق للجنة تداول السلع الآجلة يرى أن: أفضل طريقة لحماية الدولار هي تعزيز جاذبيته عبر ابتكار حلول رقمية أكثر تطورًا ودعم سياسات اقتصادية أكثر انفتاحًا، بحسب ما نقلته “تيت” في مقالها.

إلا أن إدارة ترامب تبدو أكثر ميلاً لاستخدام الضغط والقوة بدلًا من الحوافز ففي الشهر الماضي، أصدر ترامب أمرًا تنفيذيًا يحظر استخدام العملات الرقمية للبنوك المركزية داخل الولايات المتحدة مشيرًا إلى أنها تهدد استقرار النظام المالي وخصوصية الأفراد والسيادة الأمريكية.

وبدلًا من ذلك، أبدى دعمه لـالبيتكوين رغم أنه يُنظر إليه عادة كبديل للدولار، كما شجع على التوسع في العملات المستقرة المرتبطة بالدولار معتبرًا أنها قد تكون أداة لتعزيز الهيمنة المالية الأمريكية عالميًا.

العملات المستقرة: السلاح السري الجديد؟

رغم الموقف المتحفظ للبنوك المركزية الأخرى، يرى فريق ترامب أن العملات المستقرة قد تكون أداة قوية للحفاظ على انتشار الدولار عالميًا. فهذه العملات تتيح إجراء المعاملات بالدولار خارج النظام المصرفي التقليدي بعيدًا عن القيود التنظيمية الصارمة مما يجعلها جذابة للمؤسسات المالية والمستثمرين الذين يواجهون مخاطر جيوسياسية.

حاليًا، تبلغ القيمة السوقية للعملات المستقرة حوالي 220 مليار دولار وهو مبلغ صغير مقارنة بسوق اليورو-دولار أو الأسواق المالية الأمريكية التي تقدر قيمتها بـ 6 تريليونات دولار. ولكن مع استمرار واشنطن في البحث عن طرق جديدة لمواجهة التحديات المالية العالمية قد تلعب العملات المستقرة دورًا رئيسيًا في الحرب النقدية القادمة.

ماذا بعد؟

مع استمرار الجهود العالمية لتطوير بدائل لأنظمة الدفع التقليدية، ستكون المعركة القادمة ليست فقط على مستوى التعريفات التجارية والعقوبات بل أيضًا على مستوى البنية التحتية المالية.

وبينما تستعد إدارة ترامب لاتخاذ مزيد من الإجراءات الدفاعية لحماية مكانة الدولار تبقى الأسئلة قائمة: هل سيتمكن mBridge ومشاريع مماثلة من تشكيل تهديد حقيقي لهيمنة الدولار؟ أم ستنجح واشنطن في فرض استراتيجياتها لمنع أي تغيير في النظام المالي العالمي؟

_{^{الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري ل UrKish News.}}