
رعایت اللہ فاروقی
في عصرٍ طغت فيه المصالح الشخصية على العلاقات الإنسانية، أصبح مفهوم الصداقة أكثر تعقيدًا حتى أننا لم نعد نميّز بين الصديق الحقيقي والمعارف العابرين. فكثيرًا ما نخلط بين الزمالة والصداقة وبين المعرفة والمودة بينما الصداقة الحقيقية شيءٌ أعمق من مجرد تعارف أو مصالح مشتركة.
من خلال تجربتي في الصحافة، عايشتُ هذا التناقض عن قرب. فعندما كنتُ أعمل في صحيفة ذات شأن وجدتُ حولي الكثير ممن يُظهرون الود والاهتمام لكن ما إن فقدتُ منصبي حتى اختفوا من حياتي كما لو أنهم لم يكونوا يومًا جزءًا منها. وحين عدتُ للعمل مجددًا عادوا ليظهروا وكأن شيئًا لم يكن.
هذا المشهد يتكرر في حياة الكثيرين مما يضطرنا إلى تصنيف بعض العلاقات ضمن دائرة “الأنانية” حيث لا تكون الصداقة سوى وسيلة لتحقيق مكاسب شخصية.
لفهم قيمة الصداقة، لا بد من التمييز بين نوعين من العلاقات في حياتنا: العلاقات القدرية وهي التي لا نملك خيارًا فيها كالعائلة التي وُلدنا فيها والعلاقات الاختيارية وهي التي نبنيها بقرارنا كالصداقة.
فإخوتنا هم جزء من حياتنا بحكم القدر لكن الأصدقاء هم الإخوة الذين نختارهم بأنفسنا. وأحيانًا، تكون رابطة الصداقة أقوى من رابطة الدم، لأن الصديق الحقيقي ليس مجبرًا على البقاء معنا بل يفعل ذلك بإرادته وهذا ما يجعل قيمته لا تُقدر بثمن.
من الأمثلة الحية التي عايشتها على الصداقة الحقيقية، العلاقة التي جمعت بين والدي مولانا محمد عالم ووالد زوجتي مولانا عنایت اللہ خان. بدأت صداقتهما في سن صغيرة واستمرت لأكثر من ستة عقود حتى استشهاد مولانا عنایت الله خان عام 2001.
كانا مقربين إلى درجة أن سكان الحي اعتقدوا أنهما شقيقان حقيقيان ولم يشعرا يومًا بالحاجة إلى توضيح العكس. هذه الصداقة لم تكن مبنية على مصلحة بل على إخلاصٍ نادرٍ في هذا الزمن.
العلاقة بين الأشقاء تقوم على روابط الدم لكن قد تتأثر بالمصالح، مثل الميراث والشؤون العائلية مما قد يؤدي أحيانًا إلى نزاعات. أما الصديق الحقيقي، فلا تربطه بك مصلحة ومع ذلك يكون أول من يقف بجانبك عند الحاجة.
في المواقف الصعبة، يتوقع الجميع أن يكون الأشقاء أول من يهبّ للمساعدة لأن ذلك يُعتبر واجبًا عائليًا. لكن الصديق الحقيقي، رغم أنه غير مُلزم، يكون حاضرًا دون تردد ليس بدافع المسؤولية بل بدافع الحب الخالص.
في عالمٍ مليء بالتوتر والمخاوف، يصبح وجود الصديق الحقيقي ضرورة. فالحياة خارج دائرة الأسرة قد تكون قاسية مليئة بالمنافسة والصراعات حيث يشعر الإنسان بالغربة في محيطه. لكن بمجرد أن يجد صديقه، يشعر بالراحة وكأنه عاد إلى بيته.
الصحفي إعجاز منگي سألني ذات يوم: “من هو الصديق الحقيقي؟” فأجبته ببعض العبارات الفلسفية لكنه قاطعني قائلًا: “الصديق الحقيقي هو الذي تجده جالسًا معك في الزنزانة متكئًا على الجدار غاضبًا منك، لكنه لا ينظر إليك ثم يقول بحزن: ألم أقل لك أننا سنقع في ورطة؟ هذا هو الصديق الحقيقي، الذي يعرف العواقب لكنه لم يتركك وحدك”.
قد يرتكب الأصدقاء أخطاء جسيمة، فيتسرع البعض في إنهاء علاقتهم بهم لكن الجميع يمر بلحظات ضعف ويقع في زلات، فهل يكون الحل هو التخلي عنهم؟
الصديق الحقيقي لا يترك صديقه عند أول خطأ بل يساعده على النهوض وتصحيح مساره. هناك فرق بين شخصٍ ارتكب خطأً عابرًا وشخصٍ جعل من الخطأ أسلوب حياة. الأول يستحق الدعم بينما الثاني يستحق الابتعاد عنه.
الصداقة الحقيقية ليست مجرد كلمات أو وعود بل هي مواقف تُثبت معدن الإنسان. قد يخذلك البعض لكن من يبقى بجانبك رغم الظروف هو الصديق الذي يستحق مكانة خاصة في حياتك.
في النهاية، تذكر: نحن لسنا ملائكة ولا أصدقاؤنا كذلك. فلنتعلم كيف نسامح ونحافظ على من يستحق البقاء في حياتنا.
المصدر: المقال باللغة الأردية وتم نقله إلى اللغة العربية بواسطة ثاقب أحمد، والآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري ل UrKish News.