آراء و مقالاتالحرب التجارية

هل انتهى زمن الهيمنة الأمريكية على الاقتصاد العالمي؟

تعبيرية (Shutterstock)

جيم أونيل
الرئيس الأسبق لشركة إدارة الأصول جولدمان ساكس

مع تصاعد التوترات الاقتصادية العالمية وتراجع دور الولايات المتحدة كلاعب مركزي في النظام التجاري الدولي، يبرز تساؤل محوري: من سيقود الاقتصاد العالمي في المستقبل القريب؟

في ظل السياسات التجارية الحمائية التي انتهجتها إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، أدركت العديد من الدول أن الاعتماد المفرط على الاقتصاد الأمريكي لم يعد خيارًا مستدامًا. ومع أن تغيير هذا الواقع لن يكون سهلاً إلا أن الفرصة أصبحت مهيأة لإعادة تشكيل النظام الاقتصادي العالمي.

بدأت بعض الاقتصادات الكبرى بالفعل في التحرك نحو تقوية طلبها المحلي وتخفيف تبعيتها للسوق الأمريكية. فقد خففت ألمانيا على سبيل المثال من سياساتها المالية المتشددة وبدأت بضخ استثمارات جديدة في بنيتها التحتية واقتصادها الوطني. أما الصين فتعمل على دراسة آليات جديدة لتحفيز استهلاكها الداخلي مما قد يمنحها دورًا أكبر كمحرك للنمو العالمي.

كما تسعى دول عدة إلى إقامة تحالفات تجارية جديدة وزيادة التعاون البيني وتوقيع اتفاقيات تهدف إلى تخفيف الحواجز غير الجمركية، لا سيما في قطاع الخدمات الذي يشهد نموًا متسارعًا.

دول مجموعة السبع، باستثناء الولايات المتحدة، تشكل مجتمعة قوة اقتصادية تضاهي الاقتصاد الأمريكي. وإذا أضفنا إلى هذه المجموعة ما يُعرف بـ”تحالف الراغبين” الذي يدعو إليه رئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر فإن هذه الدول مجتمعة تملك القدرة على ملء الفراغ الذي خلفه تراجع الدور الأمريكي.

في آسيا، قد يشكل التعاون بين الصين والهند وعدد من الاقتصادات الناشئة الأخرى ضمن إطار جديد أو محدث لمبادرة “الحزام والطريق” نقطة تحول في إعادة تشكيل موازين القوى الاقتصادية العالمية.

رغم أهمية هذه المبادرات، إلا أن نجاحها يعتمد بشكل كبير على تنسيق السياسات الاقتصادية بين الدول المعنية. فقد أظهر مؤتمر حديث نظّمه مركز بروجيل للأبحاث والبنك المركزي الهولندي أن 70% من النمو العالمي في الناتج المحلي الإجمالي خلال الفترة من 2000 إلى 2024 جاءت من أربع قوى رئيسية: الولايات المتحدة والصين ومنطقة اليورو والهند، مع هيمنة واضحة لكل من أمريكا والصين على نصف هذا النمو.

من هنا، فإن أي تراجع في الطلب الأمريكي ينبغي أن يُقابل بزيادة موازية في الطلب من قِبل دول أخرى. وتبقى الصين الدولة الوحيدة القادرة، حتى الآن، على تعويض هذا التراجع بمفردها. لكن الصورة تتغير إذا ما نسّقت الصين جهودها مع دول أخرى كأوروبا والهند إذ قد يشكل هذا التنسيق جبهة اقتصادية متماسكة قادرة على إعادة التوازن إلى الاقتصاد العالمي.

في مداخلة لافتة خلال مؤتمر بروجيل، عرض الباحث أندريه سابير مقارنة بين صعود الاقتصاد الياباني في التسعينيات عندما بلغ حجمه 70% من الاقتصاد الأمريكي وما يحدث اليوم مع الصين. حينها، كما اليوم، كانت أمريكا تخشى أن تُتجاوز اقتصاديًا.

وهنا يُطرح السؤال الأهم: هل تسعى الولايات المتحدة فقط للحفاظ على مركزها كأكبر اقتصاد عالمي؟ أم أنها تطمح فعلاً إلى تعزيز رفاهية مواطنيها؟

هاتان الغايتان ليستا بالضرورة متطابقتين. فصعود اقتصادات أخرى قد يُسهم بطريقة غير مباشرة في تحسين مستويات المعيشة داخل الولايات المتحدة نفسها من خلال تعزيز التجارة والنمو العالمي.

يبقى المشهد مفتوحًا على كل الاحتمالات. وفيما تتجه الولايات المتحدة إلى مزيد من الانغلاق والارتباك السياسي يبدو أن العالم بات مضطرًا لإعادة صياغة توازناته الاقتصادية بعيدًا عن واشنطن.

وربما، في المستقبل، تدرك أمريكا أن ازدهار الآخرين ليس تهديدًا بل فرصة. وحتى يحين ذلك، فإن الاقتصاد العالمي يمر بمرحلة انتقالية دقيقة تحتاج إلى قيادة جماعية ورؤية استراتيجية وتعاون دولي فعّال.

المقال باللغة الإنجليزية نشره موقع “Project Syndicate” وتم نقله إلى اللغة العربية بواسطة عبدالرؤوف حسين، والآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري ل UrKish News.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء تعطيل حاجب الإعلانات للاستمرار في استخدام موقعنا