
نقلاً عن الموقع الرسمي لوزارة العدل التركية adalet.gov بتاريخ 26 نوفمبر/تشرين الثاني 2024
منذ عقود طويلة، نسجت تركيا وفلسطين خيوطًا متينة من التضامن والأخاء؛ فالتاريخ يشهد على عمق العلاقات بين الشعبين. وتتوالى الأجيال حاملة الراية ذاتها، راية نصرة المظلوم ودعم الحق. إن تركيا لم تغض الطرف أبدًا عن القضية الفلسطينية كغيرها من الدول، بل استمرت في مساندة الشعب الفلسطيني في محنته هذه منذ بدء العدوان الإسرائيلي على غزة وحتى الآن. لتؤكد للعالم أجمع أن قضية فلسطين ليست قضية شعب واحد، بل هي قضية إنسانية وقضية أمة بأكملها تستحق الدعم والمساندة.
في 26 نوفمبر 2024، نظّمت مؤسسة حقوق الإنسان والمساواة التركية (TİHEK) فعالية في مقر البرلمان التركي بأنقرة لإطلاق تقريرها بعنوان “الإبادة الجماعية في غزة”. وحضر الفعالية عدد من المسؤولين البارزين، من بينهم وزير العدل التركي” يلماز تونش”، ورئيس البرلمان “نعمان قورتولموش” إلى جانب شخصيات حقوقية وأكاديمية وإعلامية.
وبصدد هذا التقرير، أكَّد وزير العدل “يلماز تونش” على ضرورة محاسبة إسرائيل على الجرائم المرتكبة في غزة، مشددًا على أهمية التحرك الدولي الحازم وفقًا للقانون الدولي ومعايير القانون الإنساني. وأشار إلى أن التقرير يوثّق الانتهاكات والجرائم التي ارتكبتها إسرائيل، ليس في قطاع غزة فحسب، بل أيضًا الجريمة الشنيعة التي ارتكبتها بحق “عائشة نور” الناشطة الأمريكية التركية، التي استشهدت “برصاص الجيش الإسرائيلي”، باستهداف رأسها عمدًا خلال مظاهرة سلمية في نابلس.
كما يوضح بالتفصيل أن الإبادة الجماعية التي نُفذت على الأراضي الفلسطينية ليس فقط من خلال الهجمات العسكرية، ولكن أيضًا باستخدام أدوات اقتصادية تهدف إلى تدمير المجتمع الفلسطيني.
وفي إشارة إلى أن حقوق الإنسان تُنتهاك في عدة مناطق محتلة، ولا سيما فلسطين قال تونش: “إن مواثيق حقوق الإنسان تظل مجرد حبر على ورق في مواجهة ما يحدث، إننا نشهد جميعًا للأسف عدم كفاية وعدم فعالية المنظمات والآليات الدولية في حل المشكلات الإنسانية. واليوم، لم تتمكن البشرية جمعاء، والعالم الغربي على وجه الخصوص، من ترجمة عالمية حقوق الإنسان من النظرية إلى التطبيق، ولا من اجتياز اختبار الإنسانية في فلسطين”.
كما أشار أيضًا إلى أن الظلم والبكاء يسودان فلسطين، وأن الإبادة الجماعية نُفذت في غزة على مرأى ومسمع من العالم أجمع على مدار 14 شهرًا، وكثير من النساء والأطفال فقدوا حياتهم جراء هذه الغارات. وأضاف: “أولئك الذين يزعمون أنهم يدافعون عن حقوق الطفل والمرأة، إذًا لماذا يتصرفون بمعايير مزدوجة عندما يتعلق الأمر بأطفال ونساء غزة؟!”
علاوة على ذلك، شدَّد أيضًا على أن إسرائيل لم تمتثل لأي من القرارات التي أصدرتها الأمم المتحدة حتى الآن، والتي يبلغ عددها حوالي 100 قرارًا، وذكر: “إن سياسة الاحتلال الإسرائيلي تحت مسمى “الاستيطان” مستمرة منذ 100 عام”. واستطرد قائلاً: “إن الهجمات الإسرائيلية الوحشية التي تستهدف النساء والأطفال والرضع والنساء الحوامل، وكذلك الصحفيين والأطقم الطبية، وموظفي الأمم المتحدة وحتى الناشطين والمدنيين العزل، تتعارض بشكل واضح مع أبسط معايير حقوق الإنسان ومعايير القانون الإنساني الدولي واتفاقية منع جرائم الإبادة الجماعية والمعاقبة عليها”.
على الرغم من هذا الوضع غير القانوني، فإن الدول التي لا تنسحب من القيادة في الدفاع عن حقوق الإنسان والديمقراطية، ولا تسمح لأحد بأن يتقدم عليها في ذلك، لم تستطع التحدث أمام انتهاكات إسرائيل لحقوق الشعب الفلسطيني بهذه الوحشية، بل على العكس، فضَّلوا دعمها علنًا. وعندما يتعلق الأمر بحقوق المضطهدين، لا يطبق أصحاب السلطة القانون الإنساني الدولي، بل يضعوه جانبًا.
والدليل على ذلك ما فعله الرئيس الأمريكي “جو بايدن” بوقوفه إلى جانب مرتكبي المجازر وبوصفه حادثة “عائشة نور” بأنها “رصاصة طائشة ” قبل صدور تقرير الطب الشرعي في التحقيقات الجارية بفلسطين وتركيا. وهذا يُعد مؤشرًا واضحًا على التواطؤ والاشتراك في هذه الجرائم.
وللأسف لم تتخذ أي خطوة فعالة لمنع كل هذه المظالم. إن قتلة الأطفال، الذين أصبحوا أكثر وحشية بالاعتماد على هذا، سيحاسبون يومًا ما على الجرائم التي يرتكبونها أمام القانون الدولي، وسينالون عقابهم، نحن نؤمن بذلك بكل تأكيد.
ووصف تونش أوامر الاعتقال التي أصدرتها المحكمة الجنائية الدولية بشأن رئيس الوزراء الإسرائيلي”بنيامين نتنياهو”، ووزير الدفاع السابق “يوآف غالانت” بأنه قرار متأخر لوقف إراقة الدماء في فلسطين، وإنهاء الإبادة الجماعية إلا أنه قرار إيجابي.
ومن جهته، أكَّد رئيس البرلمان التركي “نعمان قورتولموش” في كلمته أن إسرائيل لم تعد دولة فوق القانون، وقال: “اليوم نشهد نهاية الوهم القائل بأن إسرائيل لا يمكن محاسبتها، وإن قرار المحكمة الجنائية الدولية بملاحقة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ووزير الدفاع السابق يوآف غالانت يُعد دليلاً على ذلك”. وأضاف: “إسرائيل تعيش الآن أسوأ أيامها، والمجتمع الدولي مطالب بالوقوف الحازم ضد جرائمها”.
كما تجدر الإشارة إلى أن تركيا انضمت إلى دعوى “الإبادة الجماعية” التي رفعتها جنوب إفريقيا ضد إسرائيل أمام محكمة العدل الدولية، مما يعكس التزام أنقرة بمحاسبة مرتكبي الجرائم في غزة.
وتابع تونش: “سنقدم جميع الأدلة التي جمعناها والتقارير والمعلومات التي أعدتها مؤسسة الطب الشرعي لدينا إلى المؤسسات الدولية. وفي هذا الشأن، نواصل التحقيق الذي بدأه مكتب النيابة العامة في أنقرة”.
وشدَّدَ على أن تركيا تواصل الدفاع عن حقوق الفلسطينيين وعائشة نور وأنهم لن يتراجعوا أبدًا عن نضالهم، قائلا: “نحن تركيا سنواصل الوفاء بمسؤولياتنا الإنسانية، والوقوف إلى جانب أشقائنا الفلسطينيين، والدفاع عن قضيتهم العادلة في كل المنصات الدولية، كما نفعل اليوم. ونظن أن التقرير الذي نعرضه اليوم مثل الصور الفوتوغرافية والمشاهد التي التقطتها وكالة الأناضول ومنصة TRT ستكون دليلاً مهمًا في الإجراءات أمام محكمة الجنايات الدولية ومحكمة العدل الدولية.”
وفي الختام يأتي إطلاق هذا التقرير في وقت تشهد فيه القضية الفلسطينية تصعيدًا كبيرًا، حيث تواصل إسرائيل انتهاكاتها بحق الشعب الفلسطيني. ويؤكد هذا التقرير على ضرورة تضافر الجهود الدولية لإنهاء الاحتلال الإسرائيلي، وإقامة دولة فلسطينية مستقلة عاصمتها القدس الشرقية.
فما هي التداعيات المتوقعة لإطلاق هذا التقرير على الصعيد الدولي والإقليمي؟ وكيف يمكن للمجتمع الدولي الضغط على إسرائيل لوقف انتهاكاتها بحق الشعب الفلسطيني؟
كتابة وإعداد: فاطمة هاشم/ ياسمين أحمد