
عامر خاكواني
لا يمكن الجزم بما تخطط له الهند بدقة إلا أن الخطاب العدائي المتصاعد في الإعلام الموالي لحكومة ناريندرا مودي والتحريض المتكرر ضد باكستان، كلها مؤشرات على أن الهند ربما تجهز لخطوة تصعيدية كبيرة. ورغم أن الوضع يتطلب الترقب والحذر، من المهم أولًا تحليل القرارات التي أعلنتها الهند ومعرفة ما يمكن أن تترتب عليها من نتائج.
الخطوات الهندية الأخيرة
الهند أعلنت مؤخرًا عن سلسلة من الإجراءات التصعيدية ضد باكستان، منها:
تقليص العلاقات الدبلوماسية إلى أدنى مستوى.
إعادة الملحقين العسكريين من باكستان.
إغلاق معبر “واهكه-أتاري” الحدودي.
تعليق العمل باتفاقية مياه السند.
تعليق اتفاقية مياه السند يُعد أخطر هذه الإجراءات لأن الاتفاقية التي تم توقيعها قبل 65 عامًا ظلت قائمة رغم اندلاع ثلاث حروب بين البلدين (1965، 1971، وكارجيل). لم يسبق لأي طرف أن تحدث عن إلغائها مما يجعل القرار الهندي تصعيدًا غير مسبوق.
هل يمكن للهند إنهاء الاتفاقية من جانب واحد؟
رغم التصريحات الهندية، يؤكد الخبراء القانونيون أن اتفاقية مياه السند لا يمكن إلغاؤها من طرف واحد. فالاتفاقية تنص على أن أي تعديل أو إلغاء يجب أن يتم بالتفاهم الثنائي ولا يجوز لأي طرف الانسحاب منها بمفرده. كما أن البنك الدولي بصفته الوسيط يظل ضامنًا قانونيًا للاتفاق.
حتى وفقًا لاتفاقية فيينا الخاصة بالمعاهدات، فإن الشروط التي تتيح الخروج من المعاهدات لا تنطبق على هذه الاتفاقية. ولهذا السبب، تحدثت الهند عن “تعليق” الاتفاقية وليس “إلغائها”.
هل يمكن للهند وقف تدفق المياه إلى باكستان؟
القلق الشعبي في باكستان من احتمال وقف المياه مشروع إلا أن الوقائع الفنية على الأرض تشير إلى أن الهند، حتى لو أرادت، لا تملك حاليًا الإمكانيات التقنية لتوقيف مياه الأنهار الثلاثة (السند، جيلوم، وتشناب) التي خُصصت لباكستان بموجب الاتفاقية.
الاتفاق يلزم الهند بإعطاء 80% من مياه هذه الأنهار لباكستان ويسمح لها فقط باستخدام 19.8% منها في مشاريع محددة دون تخزين المياه. يمكن للهند بناء سدود لتوليد الطاقة (سدود الجريان السطحي) لكنها لا تستطيع تخزين كميات كبيرة من المياه.
المعوقات الفنية أمام الهند
الهند لا تمتلك حاليًا البنية التحتية الكافية لتخزين المياه. على سبيل المثال، سد بغلّهار المثير للجدل لا يمكنه تخزين أكثر من 3.6 مليون فدان-قدم من المياه، بينما تحصل باكستان سنويًا على 135 مليون فدان-قدم من هذه الأنهار. وبالتالي، فإن قدرة الهند على التحكم في تدفق المياه محدودة للغاية.
كما أن أكثر من 60% من هذه المياه مصدرها الأنهار الجليدية، والبقية من الأمطار الموسمية وهي عوامل خارجة عن سيطرة الهند. أضف إلى ذلك أن تضاريس المنطقة تصب في صالح باكستان إذ إن انحدار الأنهار يتجه نحو أراضيها.
التهديد الحقيقي يكمن في المستقبل
صحيح أن الهند غير قادرة حاليًا على قطع المياه عن باكستان إلا أن الخطر يكمن في المستقبل، إذا ما بدأت بتوسيع بنيتها التحتية وبناء مزيد من السدود في المناطق الحدودية. حينها، قد يصبح لديها القدرة على التحكم الفعلي في تدفق المياه.
لهذا السبب، شددت الحكومة الباكستانية على أن أي محاولة لوقف حصتها المائية – ولو بمقدار ضئيل – ستُعدّ بمثابة “عمل عدائي” وستواجه برد حاسم.
ما الخيارات الأخرى أمام الهند؟
يشير العديد من الخبراء إلى أن التصعيد الإعلامي في الهند قد يكون تمهيدًا لعمل عسكري محدود ضد باكستان كما حدث في عامي 2016 و2019. ربما تنفذ الهند ما يُعرف بـ”الضربات الجراحية” في مناطق حدودية غير مأهولة وتدّعي استهداف “معسكرات إرهابية” حتى وإن لم يكن هناك سوى الأشجار.
تظل جميع الاحتمالات قائمة لكن المؤكد أن أي مغامرة عسكرية هندية ستقابل برد قوي من الجانب الباكستاني وهو ما تدركه نيودلهي جيدًا.
باكستان تواجه مرحلة دقيقة تتطلب الحذر والوحدة الداخلية. على المستوى القصير، لا يوجد خطر مباشر على المياه، لكن على المدى البعيد، يجب اليقظة ومراقبة التحركات الهندية المستقبلية. الوقت الحالي هو وقت الاصطفاف خلف الجيش والدولة، والدفاع عن السيادة الوطنية بكل قوة.
المقال باللغة الأردية نشره موقع We News وتم نقله إلى اللغة العربية بواسطة ثاقب أحمد، والآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لـ UrKish News.