
رعايت الله فاروقي
في أعقاب التصعيد العسكري الأخير بين باكستان والهند دخل الطرفان في هدنة مؤقتة تمهيدًا لبدء حوار رسمي. غير أن هذه التهدئة تخفي خلفها تحولات استراتيجية عميقة لم تأت وليدة لحظة بل هي نتاج سنوات من التمهيد والتخطيط المشترك بدأت قبل أكثر من عقد، حين طلبت الولايات المتحدة في عام 2011 من باكستان التوسط للحوار مع طالبان تمهيدًا لانسحابها من أفغانستان.
رد باكستان آنذاك اتسم بالتباطؤ لكنه لم يكن عشوائيًا. فخلف الكواليس، كانت الصين قد طلبت من إسلام آباد كسب ما لا يقل عن عشر سنوات قبل الانسحاب الأمريكي وهي مدة رأت بكين أنها ضرورية لإتمام استعداداتها الاستراتيجية. هذه الرؤية الصينية ثبتت دقتها لاحقًا إذ ما إن وقعت واشنطن اتفاق الدوحة عام 2020 حتى ظهرت في بحر الصين الجنوبي برفقة تحالف بحري واسع النطاق وأعادت إحياء تحالف “كواد” (Quad) الرباعي لتطويق الصين.
أدركت بكين أن لحظة المواجهة ستأتي عاجلًا أم آجلًا وأن عليها الاستعداد على كافة الأصعدة. وفي هذا السياق، لعبت باكستان دورًا بالغ الأهمية في إبقاء القوات الأمريكية منشغلة في أفغانستان مما أتاح لبكين الوقت اللازم لتعزيز قدراتها العسكرية والتكنولوجية.
ومع صعود شي جين بينغ تسارعت وتيرة التطوير العسكري في الصين بالتوازي مع تعميق التعاون الاستراتيجي مع باكستان. هذا التعاون لم يكن مجرد تبادل معدات بل شمل بناء شراكات نوعية في مجال الحرب السيبرانية والاستطلاع الفضائي وتحديث سلاح الجو الباكستاني. وقد ظهرت نتائج هذا التنسيق المتقن بوضوح في الأسبوع الأول من مايو 2025.
فمنذ مساء السادس من مايو وحتى العاشر منه، شهدت المنطقة سلسلة من العمليات الجوية الباكستانية شلّت الدفاعات الهندية بالكامل. لم تتمكن القوات الهندية خلال هذه الفترة من قفل راداري واحد على أي طائرة باكستانية. وقد بلغ هذا الإرباك ذروته عندما أعلنت باكستان في 7 مايو عن إسقاط خمس طائرات هندية متطورة من بينها ثلاث “رافال” خلال أقل من ساعة.
في البداية، شكك بعض المحللين الدوليين في دقة هذه الرواية لكن سرعان ما تبددت الشكوك حين فشلت منظومة الدفاع الجوي الهندية “إس-400” – المعروفة بقدراتها الفائقة – في تقديم أي رد فعل وهو ما كشف عن خلل كبير في قدرة الردع الهندية. هذه الضربة التقنية كانت صادمة بما يكفي لتحرك الولايات المتحدة بشكل عاجل بعد أن كانت قد أعلنت سابقًا عدم اهتمامها المباشر بالنزاع.
غير أن الأهم من التحرك الأمريكي هو طبيعته: واشنطن تحدثت بلغة متوازنة ووصفت قيادتي باكستان والهند بـ”الحكيمة” وأبدت احترامًا لمواقف الطرفين في تغير نوعي غير مسبوق في الخطاب الأمريكي إزاء إسلام آباد.
ما حدث لم يكن مجرد نصر باكستاني في مواجهة محدودة بل كشف عن منظومة تعاون باكستانية–صينية نضجت في الخفاء، واستطاعت أن تتفوق على خصم إقليمي كانت تعتبره القوى الغربية في مصاف الدول العظمى الصاعدة. لقد فهمت الهند أخيرًا أن باكستان لم تعد ذلك الخصم التقليدي بل أصبحت قوة متكاملة مدعومة بمنظومة تكنولوجية متفوقة (ISR) تراقب كل حركة في أجوائها وحدودها.
الأثر الأبعد لما حدث لم يكن على الهند فقط. بل إن الغرب الذي لطالما قلل من شأن التكنولوجيا الصينية، أدرك فجأة أن منتجات بكين لم تعد مجرد أجهزة استهلاكية رخيصة بل أدوات عسكرية عالية الكفاءة. وإذا كانت قدرات باكستان قد بلغت هذا الحد فكيف هي حال القوة الصينية نفسها؟
هذا التساؤل تسلل بسرعة إلى مراكز صنع القرار في الغرب خصوصًا في ظل توتر الأوضاع حول تايوان. فالضربة التي تلقتها الهند في 10 مايو لم تبقَ محصورة في حدودها الجغرافية بل أطلقت إنذارًا وصل صداه إلى واشنطن وأعاد رسم معادلة التوازن في المنطقة.
باختصار، ما حدث لم يكن مجرد تصعيد عابر. لقد شهدنا لحظة تاريخية أعادت تشكيل موازين القوى وأثبتت أن التحالف الباكستاني–الصيني بات اليوم واقعًا استراتيجيًا لا يمكن تجاهله. وفي خضم هذا التحول، وقفت الهند مذهولة والغرب قلق، بينما ظهرت إسلام آباد وبكين كقوتين قادرتين على قلب الطاولة في أي لحظة.
المصدر: المقال باللغة الأردية وتم نقله إلى اللغة العربية بواسطة عبدالرؤوف حسين، والآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري ل UrKish News.