اقتصادالحرب التجارية

موجة تسريحات واسعة تضرب أوروبا: اقتصاد متباطئ وقرارات قاسية تهدد سوق العمل

تعبيرية (weforum)

فريق UrKish News

في مشهد يعكس عمق الأزمة الاقتصادية التي تمر بها القارة العجوز، تتصاعد موجة تسريحات وظيفية واسعة النطاق تضرب قطاعات حيوية في أوروبا من صناعة السيارات إلى المصارف والسلع الاستهلاكية. ويأتي هذا التحول في وقت تواجه فيه اقتصادات كبرى، على رأسها ألمانيا وفرنسا، تباطؤًا طويل الأمد وسط ضغوط مالية متزايدة وتراجع في الطلب المحلي والدولي ما دفع عددا من الشركات إلى اتخاذ قرارات صارمة تتضمن تجميد التوظيف وتقليص أعداد الموظفين، بحسب تقرير نشره موقع “All Work“.

تصدّر قطاع السيارات مشهد التسريحات متأثرا بانخفاض الطلب العالمي وبتداعيات الرسوم الجمركية المفروضة من الولايات المتحدة. ففي ألمانيا، أعلنت شركة بورشه عن تسريح 2,000 موظف إضافي بعد تقليص سابق لـ1,900 وظيفة. أما شركة رينو الفرنسية فقد أنهت عقود 300 موظف في مصنعها بمدينة ساندوفيل.

ستيلانتس التي تمتلك علامات مثل بيجو وفيات سرّحت مؤقتًا 900 موظف في الولايات المتحدة واتجهت إلى خفض 350 وظيفة أخرى في جنوب إيطاليا. من جهتها، تخطط فولكس فاجن لتقليص 1,600 وظيفة في وحدة البرمجيات التابعة لها، بينما أعلنت أودي التابعة لها عن نيتها تسريح ما يصل إلى 7,500 موظف بحلول عام 2029. ولم تكن فولفو بعيدة عن هذه الدائرة حيث قررت خفض 800 وظيفة في الولايات المتحدة.

لم ينجُ القطاع المصرفي من هذه الموجة رغم ما يُعرف عنه من استقرار نسبي في أوقات الأزمات. فقد أعلن دويتشه بنك الألماني عن خطط لتسريح 2,000 موظف ضمن قطاع التجزئة المصرفية، بينما يعتزم سانتاندير البريطاني الاستغناء عن 750 موظفا نتيجة إغلاق عدد من فروعه. أما يو بي إس السويسرية فقد كشفت عن تسريح 180 موظفا في فروعها بإيطاليا.

في قلب أوروبا الصناعية، أقدمت شركات عملاقة على تقليص وظائفها لمواجهة ضعف الأسواق. فقد أعلنت سيمنس عن خفض 5,600 وظيفة في قطاع الصناعات الرقمية نتيجة تباطؤ الطلب في السوقين الألمانية والصينية. كذلك، ستتخلى تيسين كروب عن 1,800 وظيفة بعد تراجع ملحوظ في قطاع السيارات الذي يُعد مصدرا رئيسيا لطلب منتجاتها.

حتى القطاعات الموجهة للمستهلكين، والتي كانت تُعتبر أكثر مرونة لم تسلم من تداعيات الأزمة. فقد قررت سلسلة موريسونز البريطانية تسريح 365 موظفا في محاولة لخفض التكاليف التشغيلية. وأعلنت نستله عن بيع مصنعين في ألمانيا ما سيؤدي إلى فقدان 225 وظيفة. وفي خطوة مماثلة، كشفت بوما عن خطة لخفض 500 وظيفة على مستوى العالم.

لم تكن شركات التكنولوجيا الحيوية والخدمات اللوجستية أفضل حالا. إذ تخطط شركة بيونتك التي اشتهرت بإنتاج لقاحات كوفيد-19 لتقليص ما بين 950 و1,350 وظيفة بحلول عام 2027. أما شركة دي إتش إل الرائدة في قطاع الشحن، فقد أعلنت عن نيتها تسريح نحو 8,000 موظف في ألمانيا ضمن خطة لخفض التكاليف بنحو مليار يورو. في السياق نفسه، تعتزم شركة UPM الفنلندية إغلاق مصنع للورق في ألمانيا ما سيتسبب في فقدان 462 وظيفة.

تشير البيانات الصادرة عن “معهد الاقتصاد الألماني” (IW) إلى أن أكثر من ثلث الشركات الألمانية تخطط لتقليص الوظائف خلال عام 2025. ووسط اقتراب عدد العاطلين عن العمل في ألمانيا من حاجز الثلاثة ملايين — وهو رقم لم يُسجل منذ عقد كامل — تزداد التوقعات قتامة.

ورغم تسجيل بعض التحسن في مؤشرات قطاع الخدمات إلا أن قطاعات الصناعة والبناء لا تزال تعاني من ركود حاد. وللعام الثاني على التوالي لم تسجل ألمانيا أي نمو اقتصادي لتصبح الدولة الوحيدة في مجموعة السبع التي تواجه هذا التحدي. وتزيد من تعقيد المشهد الرسوم الجمركية التي فرضتها إدارة ترامب ما يُنذر بدخول البلاد في ركود للعام الثالث تواليا في سابقة لم تعرفها ألمانيا منذ عقود.

تعكس هذه التطورات مرحلة حساسة يمر بها الاقتصاد الأوروبي وسط مؤشرات تنذر بتفاقم الانكماش إذا لم تُتخذ سياسات عاجلة وفعالة. فموجة التسريحات الواسعة لم تعد مجرد استجابة آنية لأزمات مؤقتة بل أصبحت مؤشرا بنيويا على هشاشة النمو الاقتصادي وتباطؤ الاستثمار وتراجع القدرة على خلق فرص عمل جديدة.

في الختام، تبدو أوروبا اليوم في مفترق طرق اقتصادي يتطلب تحركا حكوميا حاسما لوقف نزيف الوظائف واستعادة الثقة في الأسواق قبل أن تتعمق الأزمة وتتحول إلى عبء اجتماعي طويل الأمد.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء تعطيل حاجب الإعلانات للاستمرار في استخدام موقعنا