
ثاقب احمد
بينما ينشغل العالم بالتصعيد العسكري بين إسرائيل وإيران، تُعيد كوريا الشمالية ترتيب حساباتها الاستراتيجية في صمت مستخلصة من هذه الفوضى الجيوسياسية دروسا جديدة تعزز قناعتها القديمة: السلاح النووي هو الضامن الوحيد لبقاء النظام.
في بيونغ يانغ حيث تُراقب القيادة الكورية الشمالية التطورات بدقة، يُنظر إلى المواجهة بين تل أبيب وطهران من زاوية واحدة: مصير الأنظمة المناوئة للغرب التي لم تمتلك سلاحا رادعا أو تخلت عنه. فالرسالة التي يتلقاها الزعيم كيم جونغ أون واضحة: لا نزع للسلاح النووي مهما كانت الإغراءات أو الضغوط.
تصريحات المحللين تؤكد أن كوريا الشمالية لطالما استخدمت سقوط نظامي صدام حسين في العراق ومعمر القذافي في ليبيا كذريعة استراتيجية لتبرير التمسك بترسانتها النووية. واليوم، بعد الضربات الإسرائيلية على إيران وما رافقها من دعوات لإسقاط النظام الإيراني تزداد قناعة بيونغ يانغ بأنها تسلك الطريق الصحيح، بحسب تقرير نشره موقع “SCMP“.
الدروس لا تتوقف عند إيران. فأوكرانيا التي تخلّت عن ترسانتها النووية عام 1994 مقابل ضمانات أمنية، وجدت نفسها ضحية للغزو الروسي عام 2022. هذان النموذجان – إيران وأوكرانيا – يعززان القناعة الكورية الشمالية بأن أي تخلي عن القوة النووية يعني فتح الباب للسقوط.
وفي هذا السياق، أعلنت كيم يو-جونغ شقيقة الزعيم الكوري، في وقت سابق أن الوضع النووي لبلادها “لا رجعة فيه” ساخرة من محاولات الولايات المتحدة الدفع نحو نزع السلاح بوصفها “أضغاث أحلام”. هذه التصريحات تعكس تغيرا في النبرة نحو موقف أكثر صرامة وتحديا للمجتمع الدولي.
في المقابل، تواصل كوريا الشمالية تعزيز تحالفاتها مع القوى الكبرى التي تتحدى النظام الدولي القائم وعلى رأسها روسيا. ففي أعقاب توقيع معاهدة عسكرية مع موسكو، أرسلت بيونغ يانغ آلاف الجنود والمهندسين إلى روسيا ضمن شراكة تشمل تبادلا للمساعدات العسكرية والتقنية واللوجستية.
في المقابل، تحصل كوريا الشمالية على تكنولوجيا عسكرية متقدمة تشمل تحديثات في المجال البحري والصاروخي إلى جانب مساعدات غذائية وطاقوية.
هذه العلاقة المتنامية أثارت قلق الولايات المتحدة التي وصفتها بأنها “شراكة مقلقة” خصوصا وأن العائدات المالية من هذه الأنشطة تُستخدم في تمويل برامج الصواريخ الباليستية وأسلحة الدمار الشامل في تحدّ واضح لقرارات مجلس الأمن الدولي.
المفارقة أن هذا التحالف مع روسيا لا يُعزز فقط قدرة بيونغ يانغ العسكرية بل يمنحها أيضا غطاء دبلوماسيا وسياسيا مما يصعّب من إمكانية عزلها أو الضغط عليها عبر الوسائل التقليدية.
ورغم هذا التصعيد في اللهجة والسلوك، يرى بعض المحللين أن من الخطأ إغلاق الباب نهائيا أمام إمكانية التفاوض مع كوريا الشمالية.
فوفقا لسيدني سايلر مستشار سابق في البيت الأبيض، فإن الحفاظ على “نافذة دبلوماسية” مفتوحة – حتى لو كانت رمزية – يبقى أمرا ضروريا لأن تغيّر الحسابات الداخلية في بيونغ يانغ قد يدفعها في لحظة ما إلى إعادة النظر.
في الوقت ذاته، يُحذّر محللون من الإفراط في التفاؤل مشيرين إلى أن برنامج كوريا الشمالية النووي ليس مجرد أداة ردع بل مشروع وطني يهدف إلى ترسيخ مكانة الدولة عالميا، كما فعلت الصين في عهد ماو.
على الجانب الآخر، تلتزم كوريا الجنوبية بموقف حاسم. فقد جدّد رئيس الوزراء المكلّف كيم مين-سوك رفض بلاده الاعتراف بكوريا الشمالية كدولة نووية مستبعدا في الوقت ذاته تطوير سيول لأي برنامج نووي خاص بها أو استضافة أسلحة نووية أمريكية رغم التهديدات المتزايدة من الشمال.
في ضوء هذه المعطيات، يبدو أن كوريا الشمالية ماضية في تكريس معادلة الردع النووي كجوهر لسياستها الخارجية والداخلية. الصراعات الممتدة في الشرق الأوسط وأوروبا لا تدفعها إلى الحوار بل تُغذي يقينها بأن البقاء في السلطة مرهون بامتلاك السلاح النووي لا التخلي عنه.
الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري ل UrKish News.