آراء و مقالات

الذكاء الاصطناعي كفاعل جيوسياسي: قراءة في خلفيات الهجوم الأمريكي على إيران

تعبيرية (FT)

فريق UrKish News

شنت الولايات المتحدة هجمات عسكرية على منشآت نووية إيرانية استنادا إلى معلومات استخباراتية اعتمدت على برنامج ذكاء اصطناعي مثير للجدل.
ورغم أن الضربات كانت محدودة التأثير من الناحية العسكرية إلا أن تداعياتها السياسية والإستراتيجية تشير إلى دخول المنطقة مرحلة جديدة من المواجهة غير التقليدية، تتداخل فيها الخوارزميات مع المصالح الجيوسياسية.

البرنامج الذي استندت إليه المعلومات يُدعى “موزاييك” (MOSAIC) من تطوير شركة “بالانتير” الأمريكية (Palantir Technologies) وهو برنامج متخصص في تحليل البيانات الضخمة وتوقّع “النوايا” لا الأفعال.
وبحسب المحلل البريطاني أليستر كروك خلال مقابلة بثها برنامج Judging Freedom مع القاضي أندرو نابوليتانو، فإن هذا البرنامج جمع نحو 400 مليون عنصر من البيانات المرتبطة بأفراد داخل إيران شملت تحركاتهم وتفاعلهم على وسائل التواصل الاجتماعي واتصالاتهم، ثم أنتج بناء على ذلك سيناريو مفترضا بأن طهران تعتزم تسريع تخصيب اليورانيوم لأغراض عسكرية.

هذا التقدير لم يكن مدعوما بأي أدلة ميدانية فعلية. بل إن الوكالة الدولية للطاقة الذرية نفسها التي قُدّمت إليها هذه البيانات عادت لاحقًا وتراجعت عن التقرير مؤكدة غياب الدليل على وجود أي مشروع عسكري نووي إيراني نشط.
ومع ذلك، اختار الرئيس الأميركي دونالد ترامب، وفقا للتحليل، تجاهل تقييمات جهاز الاستخبارات الوطنية التي قدّمتها تولسي غابارد والتي أكدت أن إيران لم تطور سلاحا نوويا منذ عام 2003 مفضّلا الاعتماد على ما وصفه كروك بـ”الرواية المفبركة” التي روّجت لها إسرائيل.

الضربات العسكرية التي نُفّذت لم تُحدث أضرارا تُذكر في البنية النووية الإيرانية بل اقتصرت على أضرار سطحية. وتشير معلومات استخباراتية مسرّبة إلى أن الإيرانيين كانوا على علم مسبق بالهجوم وأن واشنطن قد تكون أرسلت رسائل غير مباشرة لطهران تفيد بأن الضربة ستكون “لمرة واحدة” بشرط عدم الرد. وهو الأسلوب ذاته الذي استخدمه ترامب في اليمن في وقت سابق.

لكن الرهان على أن هذه الضربة قد تُحدث فوضى داخلية أو تؤدي إلى انهيار النظام الإيراني تبيّن أنه كان خاطئا تماما. على العكس، فقد أدت العملية إلى التفاف شعبي واسع داخل إيران حول الحكومة وتوحيد الجبهة الداخلية في وجه ما وصف بـ”العدوان الخارجي” وأثبتت أن التقديرات الغربية حول هشاشة النظام الإيراني كانت غير دقيقة.

على الجانب الآخر، بدأت طهران في تحركات دبلوماسية وعسكرية محسوبة. فقد زار وزير خارجيتها موسكو والتقى الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في لقاء يُعد رسالة استراتيجية واضحة على أن إيران لا تتحرك بمعزل عن شركائها الكبار.
وتُشير التحليلات إلى أن موسكو وبكين كانتا على علم مسبق بالضربة وربما نصحتا طهران بعدم الرد الفوري لكسب مشروعية سياسية وأخلاقية في الرد لاحقا.

الرد الإيراني المحتمل قد لا يكون عسكريا مباشرا بل عبر وسائل غير تقليدية مثل التأثير على حركة الملاحة في مضيق هرمز عبر إجراءات ذكية وغير معلنة تُقلق شركات التأمين والشحن وتُربك الاقتصاد الغربي دون الدخول في مواجهة مباشرة.

الأخطر من كل ذلك هو ما وصفه كروك بـ”نمط الحرب الهجينة الجديدة” التي تتبناها الدول الغربية وتركز على استخدام الذكاء الاصطناعي والطائرات المسيّرة والتفجيرات الداخلية والحرب السيبرانية والتضليل الإعلامي.
فالهجوم على إيران لم يكن مجرد ضربة جوية بل جزء من خطة أوسع لاختراق الأنظمة من الداخل وبث الفوضى وإحداث انهيار تدريجي عبر أدوات تكنولوجية ومجموعات تخريبية محلية.

ختامًا، تكشف هذه الأزمة عن تحول جوهري في طبيعة الحروب. لم تعد المعركة تدور فقط في السماء أو على الأرض بل أصبحت تدار خلف شاشات الكمبيوتر وفي مراكز تحليل البيانات وبين أسطر الخوارزميات.
والخطر الحقيقي ليس في الصواريخ بل في المعلومات… خاصة عندما تُصاغ لتصنع حربا.

الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري ل UrKish News.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء تعطيل حاجب الإعلانات للاستمرار في استخدام موقعنا