
رعايت الله فاروقي
في مشهد جيواستراتيجي شديد التعقيد، اندلعت حرب بين إيران وإسرائيل بدا وكأنها ستغيّر قواعد اللعبة في الشرق الأوسط. لكن ما لم يكن في الحسبان هو أن نهاية هذه الحرب لم تكن كما أراد من بدأها.
بل إن النتائج كانت أشبه بانقلاب جيوسياسي كشفت فيه نوايا وانفضحت فيه تحالفات وتبدلت فيه مراكز الثقل الإقليمي.
اللافت في هذا السياق، أن الدول الثلاث التي استفادت أو أثّرت في مجريات الحرب لم تكن كلها طرفا مباشرا فيها، بل بينها دولة كانت تلعب دور الوسيط الهادئ — باكستان.
لطالما اعتبر الغرب الطموح النووي الإيراني مصدر قلق دائم إلا أن تحليل التطورات الأخيرة يشير إلى أن البرنامج النووي لم يكن الهدف الحقيقي وراء التصعيد. فلو كان كذلك لتركّزت الضربات على منشآتها النووية. لكن ما حدث هو العكس: الهجمات الإسرائيلية استهدفت الحرس الثوري الإيراني وهو العمود الفقري للنظام الثوري. إذا، كان الهدف إسقاط النظام لا تدمير مشروع نووي.
غير أن الحسابات الإسرائيلية الأمريكية أخطأت التقدير. فقد راهنوا على أن الشارع الإيراني -خصوصا التيار الليبرالي- سينتفض ضد النظام الثوري في اللحظة المناسبة. لكن المفاجأة الكبرى أن الليبراليين وقفوا هذه المرة إلى جانب النظام وأعلنوا أن الثورة “رغم تحفظاتهم عليها” تبقى خيارا وطنيا في مواجهة عدوان خارجي.
وسط كل هذا التصعيد، برزت باكستان لاعبا صامتا لكن حيويا. لم تعلن اصطفافا عدائيا ضد أي طرف لكنها كانت على تواصل مباشر مع واشنطن وداعمة تماما لإيران في الوقت ذاته.
الدور الباكستاني بلغ ذروته حين قام المشير عاصم منير قائد القوات المسلحة الباكستانية، بعد لقائه بالرئيس الأمريكي، بالتوجه مباشرة إلى إسطنبول لحضور قمة وزراء خارجية منظمة التعاون الإسلامي بدلا من العودة إلى إسلام آباد.
ومن هناك، انطلقت اتصالات غير علنية أفضت إلى زيارة وزير الخارجية الإيراني عباس عراقچي لموسكو ومن ثم لقائه بالرئيس الروسي فلاديمير بوتين، وبعدها بيومين فقط توقفت الحرب.
ثمة احتمال لا يمكن تجاهله وهو أن ترامب لم يكن يرغب فعلا في خوض هذه الحرب بل ربما استغلها لتقليم أظافر نتنياهو. دلائل ذلك عديدة، أبرزها:
نشر ترامب قبل توليه المنصب مقطعا لأستاذ أمريكي يتهم فيه نتنياهو بأنه سبب كل مآسي الشرق الأوسط خلال العقود الثلاثة الماضية. كما أن إدارة ترامب، عشية توليه السلطة، ضغطت على نتنياهو لقبول وقف إطلاق النار وهو ما كان يرفضه بشدة.
هذا الاحتمال تعززه حقيقة أن واشنطن لم ترد على الضربات الإيرانية التي دمّرت مواقع إسرائيلية ولم تُبدِ أي غضب. بل على العكس، صرّح ترامب ساخرا قبل يوم من الهدنة قائلا: “الآن إسرائيل أكثر أمنا من أي وقت مضى“.
من الناحية العسكرية، تعتبر هذه الحرب أول مواجهة مباشرة بين دولة إسلامية وإسرائيل تنتهي بانتصار الطرف المسلم. فقد تكبّدت إسرائيل خسائر غير مسبوقة وأظهرت هشاشتها أمام وابل من الصواريخ لم تصمد أكثر من أسبوعين دون أن تنهار خطوطها الدفاعية وبدت عاجزة عن ردع الهجوم الإيراني المركّز.
إيران، بالمقابل، خرجت أكثر تماسكا داخليا وأكثر ثقة في تحالفاتها. الشارع الإيراني، بمن فيهم الليبراليون، اصطف إلى جانب النظام في لحظة حاسمة وأثبتت الجمهورية الإسلامية الإيرانية أن تهديد وجودها لا يزيدها إلا تماسكا.
لكن المكاسب لم تكن إيرانية فقط. فباكستان كانت المستفيد الأكبر في الكواليس. فمنذ سنوات والهند تستخدم الأراضي الإيرانية لتغذية التمرد في بلوشستان عبر شبكات استخباراتية تديرها وكالة “را” الهندية. غير أن الحرب كشفت أن هذه الشبكات كانت تخدم الموساد، لا طهران وهو ما دفع إيران لطرد المواطنين الهنود خلال 48 ساعة فقط من بدء المعركة.
وفي المقابل، أعلنت طهران رسميا امتنانها لباكستان على موقفها وهو ما عبر عنه الرئيس الإيراني مسعود پزشکیان صراحة داخل البرلمان الإيراني.
والنتيجة؟ لأول مرة منذ عقود، باتت الحدود الإيرانية الباكستانية آمنة ومستقرة مثلها مثل الحدود الصينية ما يفتح الطريق أمام تحالف حقيقي وتعاون أمني واستراتيجي شامل.
قد لا تظهر كل الحقائق حاليا لكن المؤشرات واضحة: هناك نظام إقليمي جديد يتشكل بهدوء. إيران عززت مكانتها وباكستان كسبت ثقة جارها وإسرائيل خرجت من المعركة جريحة سياسيا وعسكريا.
أما الولايات المتحدة، فإما أنها خُدعت بنتنياهو أو تخلّت عنه عمدا — وفي كلتا الحالتين، هي الآن تُراجع خياراتها في الشرق الأوسط.
ويبقى السؤال الأهم: هل تكون هذه الحرب محطة تحوّل دائم أم مجرد هدنة مؤقتة تسبق عاصفة جديدة؟
المقال باللغة الأردية كتبه المحلل العسكري الباكستاني رعايت الله فاروقي وتم نقله إلى اللغة العربية بواسطة حسن محمود والآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري ل UrKish News.