
ثاقب أحمد
شهدت السنوات الأخيرة تصاعدا خطيرا في انتشار خطاب الكراهية عبر وسائل التواصل الاجتماعي حيث تحوّلت هذه المنصات من أدوات للتواصل إلى ساحات مفتوحة لتفشي الكراهية الدينية والعرقية. يأتي ذلك نتيجة لغياب الرقابة الفعالة من جهة وللاستغلال المفرط لمفاهيم حرية التعبير التي يتم توظيفها لتبرير العنف اللفظي والرمزي ضد الفئات المستضعفة.
تشير الدراسات إلى أن البيئة الرقمية، بما توفره من سهولة الوصول والتفاعل مجهول الهوية، فتحت الباب واسعا أمام المستخدمين لبث خطاب الكراهية دون رادع قانوني أو أخلاقي. هذه الحالة من “الإفلات الرقمي من العقاب” جعلت من الكراهية ظاهرة منظمة وعابرة للحدود، لا تعترف بثقافة أو جغرافيا.
في الجانب الديني، يتصدر المسلمون قائمة الفئات المستهدفة. فقد رُصدت آلاف الصفحات والمجموعات على منصات مثل “فيسبوك” مخصصة لنشر محتوى معادٍ للإسلام حيث يتم استغلال أحداث عالمية كاعتداءات 11 سبتمبر لتأجيج مشاعر العداء. هذه الحملات لا تقتصر على التشويه الإعلامي بل تتسبّب في موجات عنف حقيقية ضد المسلمين داخل مجتمعاتهم.
أما على صعيد الكراهية العرقية، فقد أظهرت الدراسة أن وسائل الإعلام التقليدية والرقمية تلعب دورا خطيرا في تكريس الصور النمطية مما يجعلها شريكا غير مباشر في تغذية خطاب الكراهية عبر صناعة رأي عام مضلل يكرّس التمييز والتهميش.
ما يفاقم الأزمة هو غياب رقابة فعلية من قبل منصات التكنولوجيا العملاقة التي تفضّل التعامل مع خطاب الكراهية كمسألة تقنية إدارية متجاهلة الأبعاد الأخلاقية والاجتماعية للظاهرة. كما أن الإطار القانوني الدولي لم يستطع مجاراة التطور السريع لأساليب التحريض الرقمي ما جعل البيئة الرقمية مرتعا آمنا للكراهية الممنهجة.
وفي سياق متصل، كشفت تقارير دولية حديثة عن تصدّر الهند للمشهد العالمي في نشر الإسلاموفوبيا عبر الفضاء الرقمي. دراسة صادرة عن مؤسسة “ICV أستراليا” لعام 2021 أظهرت أن 55.1% من أصل 307 ملايين تغريدة معادية للإسلام على منصة “إكس (تويتر سابقا)” جاءت من حسابات هندية في مؤشر صريح على حجم الحملات المنظمة التي تستهدف المسلمين.
وبحسب تقارير صادرة عن “شبكة المسلمين الجدد ورصد الإسلاموفوبيا” (Reverts Network and Islamophobia Monitoring) على منصات التواصل الاجتماعي، فإن منظمات هندية في أوروبا وأمريكا الشمالية تعمل بتنسيق مباشر مع جهات داخل الهند، هدفها الترويج لأجندة حزب بهاراتيا جاناتا (BJP) القومي الهندوسي.
هذه الحملات تتجاوز الخطاب الإعلامي إلى تحركات منظمة لتأليب الرأي العام العالمي ضد المسلمين من خلال نشر معلومات مضللة وصور نمطية.
تداعيات هذه الحملات لم تبقَ محصورة في العالم الرقمي. في كندا، كشفت تقارير استخباراتية أن الهند متورطة في محاولات تهميش المسلمين والسيخ وإقصائهم من المشهد السياسي الكندي. ووفق تقرير لوكالة الاستخبارات الكندية (CSIS) لعام 2024، فإن الهند انخرطت في تدخلات ممنهجة تستهدف التأثير على السياسات الكندية الداخلية. كما أكدت الشرطة الملكية الكندية (RCMP) في أكتوبر من نفس العام ضلوع الهند في أعمال عنف وقعت داخل الأراضي الكندية.
من جهة أخرى، حمّلت شبكة “TRT World” الهند، إلى جانب بريطانيا والولايات المتحدة، المسؤولية عن 85% من التغريدات المعادية للمسلمين على مستوى العالم وهو ما يكشف عن شبكة دولية معقدة تستغل الكراهية كأداة ضغط سياسي واقتصادي، في ظل صمت مشبوه من قبل منصات التواصل الاجتماعي التي تضع الأرباح فوق أي اعتبار أخلاقي.

منظمات حقوق الإنسان وجّهت انتقادات حادة لشركات التكنولوجيا الكبرى معتبرة أن ضعف الرقابة وسوء إدارة المحتوى التحريضي جعلا من هذه المنصات شريكا غير مباشر في تصاعد حملات الكراهية الموجهة ضد المسلمين. ورغم المطالبات الدولية المتكررة بضرورة وضع سياسات صارمة، لا تزال هذه الشركات تتهرب من مسؤولياتها تحت ذرائع الحياد الرقمي.
في اليوم العالمي لمكافحة الإسلاموفوبيا لعام 2025، أصدرت منظمات إسلامية وحقوقية بيانات مشتركة دعت فيها المجتمع الدولي إلى اتخاذ خطوات عاجلة لمواجهة الحملات الممنهجة التي تستهدف المسلمين عبر الفضاء الرقمي. فالاستمرار في الصمت أو الاكتفاء بالإدانات الشكلية سيؤدي إلى تفاقم الأزمة بما يهدد السلم الاجتماعي في أكثر من دولة.
إقرأ أيضا: تصاعد خطاب الكراهية في الهند
ما يجري ليس مجرد سلوكيات فردية معزولة بل هو جزء من استراتيجية سياسية واقتصادية متكاملة تستغل منصات التواصل كسلاح رقمي لتفكيك المجتمعات. وإذا استمر هذا التواطؤ المؤسسي الدولي، فإن العواقب لن تقتصر على تشويه صورة المسلمين بل ستمتد لتهدد استقرار المجتمعات التي تغض الطرف عن هذه الظاهرة.
العالم اليوم أمام اختبار حقيقي: إما أن يتحرك لوقف هذا النزيف الأخلاقي أو أن يستعد لمواجهة انفجار عنف مجتمعي يبدأ من خلف الشاشات وينتهي في الشوارع.
الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري ل UrKish News.