
تعيش تركيا مرحلة تحول محورية في سياستها الطاقية مع اكتشاف احتياطات جديدة من الغاز الطبيعي في البحر الأسود، إلى جانب سلسلة من الاتفاقيات الإقليمية والدولية التي تهدف إلى تعزيز أمن الطاقة وتقليل الاعتماد على الواردات. هذا التوجه يضع أنقرة في موقع متقدم على خريطة الطاقة الإقليمية والدولية.
في مايو 2025، أعلنت الحكومة التركية عن اكتشاف 75 مليار متر مكعب من الغاز في بئر Göktepe-3 بالبحر الأسود وهو ما يعزز قدرة البلاد على تلبية جزء من الطلب المحلي المتزايد ويخفف الضغوط عن فاتورة الواردات التي شكلت لعقود عبئًا اقتصاديًا.
وتزامنًا مع الاكتشافات المحلية، اتجهت أنقرة إلى إبرام عقود طويلة الأجل لاستيراد الغاز المسال. أبرزها اتفاق مع شركة Total Energies لتوريد 1.1 مليون طن سنويًا بدءًا من عام 2027 لمدة عشر سنوات، إضافة إلى مفاوضات متقدمة مع ExxonMobil لتأمين 2.5 مليون طن سنويا. هذه الخطوات توفر مرونة استراتيجية وتقلل من مخاطر الاعتماد على مورد واحد.
على المستوى الإقليمي، توسعت تركيا في بناء شراكات جديدة. فقد أبرمت اتفاقًا مع تركمانستان لنقل الغاز عبر إيران كما شرعت في ضخ ستة ملايين متر مكعب يوميا من الغاز الآذربيجاني إلى سوريا بدعم قطري ما أسهم في تحسين إمدادات الكهرباء هناك ورفع معدل ساعات التشغيل اليومي من 3 ساعات إلى نحو 10 ساعات. هذا البعد يعكس دور تركيا المتنامي في استخدام الطاقة باعتبارها أداة دعم إقليمي واستقرار سياسي.
التحركات التركية تحمل انعكاسات اقتصادية واضحة وهو ما انبثق عنه مكاسب مباشرة تتمثل في تقليص فاتورة الواردات وخلق فرص لتصدير الفائض إلى أوروبا وتحسين الميزان التجاري.. لكن التحديات قائمة، أبرزها الحاجة إلى استثمارات ضخمة في البنية التحتية لضمان استخراج ومعالجة الغاز بكفاءة، إضافة إلى تقلبات أسعار السوق العالمية.
تركيا اليوم لا تكتفي بدور المستهلك أو الممر، بل تسعى لتصبح فاعلًا أساسيًا في معادلة الطاقة العالمية. اكتشافات البحر الأسود، عقود الغاز المسال والشراكات الإقليمية تجعلها أقرب إلى تحقيق استقلال طاقي نسبي مع الحفاظ على موقعها باعتبارها جسرًا رئيسًا للطاقة بين آسيا وأوروبا.