آراء و مقالات

العودة أم الاحتلال؟ كيف يوظف الخطاب الصهيوني أساطير التاريخ لتبرير التوسع

تعبيرية (VOA)

منذ بدايات الحركة الصهيونية، شكّلت مسألة تعريف المشروع السياسي لليهود في فلسطين محورا للجدل الدولي. أنصار إسرائيل يرفضون توصيفها كمستعمرة استيطانية ويقدمونها كـ”عودة” إلى أرض الأجداد في الوقت الذي تواصل فيه الدولة سياسات توسعية تقوم على السيطرة والاقتلاع.

في تصريح واضح هذا الشهر، أعلن بنيامين نتنياهو أن مشروع “إسرائيل الكبرى” يمثل “مهمة تاريخية وروحية” وهو تصريح يكشف عن النوايا الاستراتيجية للحكومة الإسرائيلية بضم القدس الشرقية، هضبة الجولان، الضفة الغربية وغزة مع إشارات إلى أطماع إقليمية تمتد إلى الأردن ومصر وسوريا ولبنان.
الحرب المستمرة على غزة منحت زخما إضافيا لهذا الخطاب حيث ظهر جنود إسرائيليون يرتدون بزات تحمل خرائط “إسرائيل الكبرى”. وبالتوازي مع ذلك، تسير الحكومة في خطوات عملية مثل مشروع الاستيطان E1 الذي يهدف إلى عزل القدس الشرقية وتهجير البدو بما يقضي على أي إمكانية لقيام دولة فلسطينية.

مع ذلك، يواصل أنصار إسرائيل الترويج لرواية “الدفاع عن النفس” ويعملون على قلب الوقائع عبر تصوير الفلسطينيين كمستعمرين وغزاة بينما يُقدَّم اليهود كـ”سكان أصليين” عادوا إلى أرضهم التاريخية.
هذا التحول اللغوي ليس جديدا، إذ استخدمت الحركة الصهيونية في بداياتها مصطلحات “الاستعمار” و”المستعمرات” وأطلقت مؤسسات بأسماء مثل “الصندوق الاستعماري اليهودي” لكنها تخلت عن هذه المفردات منذ ثلاثينيات القرن الماضي مع استمرارها في ممارسة المنطق الاستيطاني على الأرض.

خطاب “العودة” الذي تتبناه الصهيونية يجد جذوره في تجارب استعمارية أوروبية سابقة. فرنسا بررت غزو الجزائر باعتباره عودة إلى إرث روما القديمة وإيطاليا فعلت الأمر نفسه في ليبيا، بينما سوّغ النازيون غزو أوروبا الشرقية باعتباره استعادة لأراضي الألمان الأوائل. النموذج الصهيوني يتوافق مع هذا النمط إذ يوظف رواية العودة لتغطية مشروع استيطاني إحلالي.

الحجة القائلة بأن الصهيونية سعت للتعايش مع دولة فلسطينية موازية تفقد مصداقيتها عند النظر إلى الواقع. النظام العنصري في جنوب أفريقيا أنشأ “البانتوستانات” لإبقاء السكان الأصليين في جيوب معزولة تحت سيطرة البيض وهو النموذج الأقرب لما تنفذه إسرائيل في الأراضي الفلسطينية.
كما أن إنكار وجود قوة استعمارية راعية للمشروع الصهيوني يتناقض مع التاريخ إذ لعبت بريطانيا الدور المحوري في رعاية الاستيطان اليهودي كما فعلت مع مشاريع استيطانية أخرى في أيرلندا وأفريقيا.

القول بأن الصهيونية تمثل “تحررا وطنيا” لليهود لا يميزها عن غيرها من المشاريع الاستعمارية. المستوطنون الأوروبيون في أمريكا وأفريقيا رفعوا شعارات الاستقلال والتحرر الوطني عن أوطانهم الأم لكنهم ظلوا مستعمرين يسيطرون على أراضي الشعوب الأصلية.

الركيزة الأهم في الخطاب الصهيوني هي ادعاء “الأصالة التاريخية” بالاستناد إلى نصوص توراتية أو مزاعم وراثية. غير أن فلسطين لم تكن في أي مرحلة أرضا لليهود وحدهم. حتى التوراة تذكر أن العبرانيين غزوا كنعان واحتلوها. أما الادعاء بأن يهود أوروبا هم الامتداد المباشر للعبرانيين فمرفوض علميا وتاريخيا، إذ أن فلسطين كانت دائما فضاءً متعدد الشعوب والثقافات.

إضفاء الطابع “الشرعي” على الصلة الدينية أو التاريخية لا يبرر استعمار أرض قائمة بشعبها. الأوروبيون في أمريكا أو أستراليا لا يملكون حق إعادة استعمار أوروبا لمجرد وجود روابط نسبية واليهود الأوروبيون لا يملكون حق العودة إلى فلسطين بذات المنطق.

الصهيونية أعادت صياغة التاريخ بطريقة تقطع الفلسطينيين عن جذورهم وتحول الهوية العبرانية القديمة إلى ملكية حصرية لليهود. في المقابل، حُرم الفلسطينيون من حقهم في امتداد تاريخي طبيعي إلى أرضهم فيما صُوِّرت الأرض كإرث إلهي لغيرهم.

اليوم، مع طرح مشروع “إسرائيل الكبرى“، تصل هذه الرواية الاستعمارية إلى ذروتها. فالأمر لا يمثل خروجا عن تاريخ الصهيونية بل تتويجا لمسارها: مشروع استيطاني توسعي يستخدم أساطير العودة والوعد الإلهي والأصالة لإخفاء حقيقة الاستعمار والإحلال.

المقال باللغة الإنجليزية نشره موقع “MEE” البريطاني وتم نقله إلى اللغة العربية بواسطة أمينة أحمد والآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري ل UrKish News.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى