آراء و مقالات

لماذا تجاهل المسلمون أوروبا؟ درس استراتيجي من الفتوحات

تعبيرية (UrKish)

يعاني العقل الديني الإسلامي غالبا من التفسير الأحادي للأحداث الجيوسياسية، إذ ينظر إليها من منظور ديني بحت ما يؤدي إلى نتائج خاطئة وفهم مغلوط للواقع الدولي. التاريخ الإسلامي يقدم نموذجا واضحا يوضح أن الفتوحات لم تكن مجرد نشر للدين بل كانت أدوات لتحقيق أهداف استراتيجية واقتصادية وجيوسياسية.

مع بداية خلافة أبي بكر الصديق رضي الله عنه، واجهت الدولة الإسلامية تحديات وجودية خطيرة، أبرزها تمرد مانعي الزكاة وفتنة مسيلمة الكذاب. هذان التحديان أبرزا أهمية تقوية الدولة لتثبيت وجودها لأن مساحة الدولة كانت محدودة واقتصادها ضعيف. من هنا ظهرت ضرورة بناء قوة سياسية وعسكرية قوية قبل أي هدف ديني آخر.

بدأ المسار الجيوسياسي للمسلمين منذ هذه المرحلة مع التركيز على محورين أساسيين: الجيو-اقتصاد والجيو-استراتيجية. الجيو-اقتصاد يعني السيطرة على التجارة العالمية والطرق التجارية بينما الجيو-استراتيجية تعني تأمين المواقع الدفاعية الحيوية لمواجهة القوى الكبرى.
جزيرة العرب التي نشأت فيها الدولة الإسلامية قبل الإسلام كانت منطقة فقيرة تجاريا واستراتيجيا وكان التجار المحليون مضطرين للذهاب إلى الشام لشراء السلع. ومع نمو الدولة، أصبح من الضروري السيطرة على مراكز التجارة والطرق لضمان قوة الدولة واستقرارها.

الحملات العسكرية الإسلامية لم تكن موجهة لنشر الدعوة فقط بل لتحقيق أهداف استراتيجية محددة. عند وصول الجيش لأي منطقة، كان يقدم للسكان ثلاثة خيارات: قبول الإسلام وتسليم الأرض ودفع الجزية مقابل حماية الحياة والممتلكات والشرف أو المقاومة التي تؤدي إلى السيطرة بالقوة.
هذا يوضح أن فرض العقيدة لم يكن هدفا أساسيا بل السيطرة على الأرض والموارد الحيوية كانت الأولوية.

عند خروج الجيش الإسلامي من جزيرة العرب، انقسم الجيش إلى قسمين: أحدهما توجه نحو العراق تحت السيطرة الفارسية والآخر نحو الشام تحت الإمبراطورية الرومانية مواجها قوتين عظميين في وقت واحد، وهو موقف تتجنبه حتى القوى الحديثة.
في معارك حاسمة مثل اليرموك 636م والقادسية 636م، هزم الجيش الإسلامي الروم والفُرس وواجه تحديات كبيرة لكن استطاع تحقيق انتصارات تاريخية. لاحقا امتدت الفتوحات إلى سمرقند وأفريقيا لكن أوروبا لم تكن هدفا لقلة مواردها إلا عند دخول الأندلس عام 711م بناءً على طلب محلي رغم قدرات المسلمين العسكرية الهائلة.

من هذا التاريخ يتضح أن الهدف الأساسي للفتوحات كان إقامة دولة مسلمة قوية تضمن حماية الناس وأموالهم ودينهم وليس نشر الدعوة وحدها. الخلفاء الراشدون أدركوا قيمة الدولة بعد تجربة مكة التي لم يكن لديهم فيها أي كيان سياسي يحميهم. السيطرة على الطرق التجارية والمراكز الاستراتيجية كانت شرطا أساسيا لضمان الاستقرار والبقاء.

الدرس التاريخي يمتد إلى اليوم حيث تتبع القوى الكبرى نفس المنطق. الولايات المتحدة تحافظ على قواعد استراتيجية حول العالم وبريطانيا فعلت ذلك قبلها والصين تعيد توجيه التجارة العالمية عبر مشروع الحزام والطريق ما يعكس أن السيطرة على الموارد والمواقع الاستراتيجية كانت دائما محور القوة والنجاح وليس مجرد نشر الأفكار.

لفهم إمكانية عودة العظمة الإسلامية، يجب أن ينظر العقل الديني إلى التاريخ بعين الجيوسياسة والجيو-اقتصاد والجيو-استراتيجية وليس بعين الدين فقط.
تجاهل هذه الدروس يؤدي إلى وهم العودة السريعة للقوة متجاهلا التضحيات والتحديات الواقعية التي واجهها المسلمون الأوائل لبناء دولة قوية ومستقرة.

المقال باللغة الأردية كتبه المحلل العسكري الباكستاني رعايت الله فاروقي وتم نقله إلى اللغة العربية بواسطة جميلة خالد والآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري ل UrKish News.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى