
لطالما ارتبط مرض السرطان وخاصة سرطان الأمعاء بكبار السن وكان يُعتقد أنه يستهدف الأشخاص الذين تجاوزوا الخمسين من العمر. إلا أن الواقع الطبي اليوم يعكس صورة مختلفة تمامًا حيث يشهد العالم ارتفاعًا ملحوظًا في أعداد الشباب المصابين بأنواع مختلفة من السرطان، خاصة تلك المرتبطة بالجهاز الهضمي مثل سرطان الأمعاء والمعدة.
عندما بدأت بياتريس ديونجي أستاذة الجراحة المساعدة بمركز إيرفينغ الطبي في جامعة كولومبيا مسيرتها كجراحة متخصصة في الأمعاء، فوجئت بأن معظم المرضى الذين تعالجهم ليسوا من كبار السن بل من الشباب في الثلاثينيات والأربعينيات من العمر.
تقول ديونجي: “مع مرور كل عام نرى المزيد من المرضى الشباب المصابين بسرطان الأمعاء في مراحل متقدمة وهذا يبعث على القلق”.
ملاحظتها هذه ليست استثناءً، بل هي جزء من اتجاه عالمي مثير للقلق حيث أظهرت الأبحاث أن معدلات الإصابة بالسرطان بين الشباب آخذة في الارتفاع.
ووفقًا لدراسة حديثة، شهدت الولايات المتحدة زيادة بنسبة 15% في حالات سرطان الجهاز الهضمي بين الأشخاص الذين تقل أعمارهم عن 50 عامًا خلال الفترة من 2010 إلى 2019 بينما تراجعت معدلات الإصابة بهذه السرطانات بين كبار السن.
يعتقد الخبراء أن هناك عدة عوامل قد تكون وراء هذه الظاهرة، أبرزها: العادات الغذائية غير الصحية وقلة النشاط البدني وزيادة معدلات السمنة التي تؤدي إلى التهابات مزمنة في الجسم تُحفّز نمو الخلايا السرطانية.
وتشير دراسة أجرتها جامعة كولومبيا إلى أن الاستهلاك المفرط للأطعمة المصنعة يلعب دورًا رئيسيًا في زيادة خطر الإصابة بسرطان الأمعاء حيث تؤثر الأحماض الدهنية الموجودة في هذه الأطعمة على البكتيريا المعوية مما يؤدي إلى التهابات مزمنة وتلف في الحمض النووي الأمر الذي يسرّع من تطور الأورام.
ورغم أن السمنة قد تزيد من احتمالية الإصابة بالسرطان، فإن الباحثين يؤكدون أن العادات الغذائية غير الصحية منذ الطفولة قد تُلحق ضررًا طويل الأمد بالجسم حتى لو تبنى الشخص أسلوب حياة صحي في مراحل لاحقة.
لا تقتصر مسببات السرطان على الغذاء فحسب بل تلعب أنماط الحياة الحديثة دورًا كبيرًا في زيادة المخاطر. فقد أظهرت دراسة أخرى أجراها نفس الفريق البحثي أن قضاء فترات طويلة في الجلوس منذ سن المراهقة قد يزيد من خطر الإصابة بسرطان الثدي لدى النساء.
ويؤكد الباحثون أن النشاط البدني المنتظم يمكن أن يقلل من احتمالية الإصابة بالسرطان مما يجعل ممارسة الرياضة منذ سن مبكرة عاملاً أساسيًا في الوقاية من المرض.
إلى جانب ذلك، فإن العوامل التقليدية مثل التدخين واستهلاك الكحول والإفراط في تناول اللحوم الحمراء لا تزال تساهم في ارتفاع معدلات الإصابة بسرطان الأمعاء بين الشباب.
مع استمرار ارتفاع حالات السرطان بين الشباب، أصبح من الضروري التوعية بأهمية اتباع أسلوب حياة صحي يشمل نظامًا غذائيًا متوازنًا وممارسة النشاط البدني بانتظام والحد من استهلاك الأطعمة المصنعة والمشروبات الضارة.
كما يؤكد الأطباء على ضرورة إجراء الفحوصات المبكرة للكشف عن السرطان في مراحله الأولية خاصة لمن لديهم عوامل خطر معروفة.
نُشرت هذه الدراسة التي أجراها باحثو جامعة كولومبيا في مجلة Cancer Epidemiology, Biomarkers & Prevention وهي تفتح الباب أمام المزيد من الأبحاث لفهم العوامل التي تؤدي إلى انتشار السرطان بين الشباب وكيفية مواجهتها بفعالية.
في النهاية، يبدو أن التغيرات في نمط الحياة خلال العقود الأخيرة تلعب دورًا أساسيًا في هذه الظاهرة ما يفرض علينا إعادة النظر في عاداتنا اليومية لضمان مستقبل صحي للأجيال القادمة.
Web Desk