آراء و مقالاتالحرب التجارية

الهيمنة الأمريكية في مأزق: هل تنجح واشنطن في كبح التنين الصيني؟

تعبيرية (Shutterstock)

محمد دين جوهر

في مشهد يعكس تغيّر موازين القوة العالمية، دشّن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب حرب الرسوم الجمركية لتُعلن معها مرحلة جديدة من الصراع الاقتصادي الدولي تقودها الولايات المتحدة ضد خصومها الاقتصاديين وعلى رأسهم الصين. حرب لم تُشهَر فيها البنادق لكنها كبَّدت العالم في أيام معدودة خسائر مالية تفوق ما تُحدثه الحروب التقليدية في سنوات.

لطالما تبنّت الولايات المتحدة مفهومًا يرى أن العالم يجب أن يبقى تحت رايتها سياسيًا وعسكريًا واقتصاديًا. ويبدو أن إدارة ترامب قررت أن الوقت قد حان لاستعادة هذه الهيمنة بأي ثمن. إن الرسوم الجمركية لم تكن مجرد إجراء اقتصادي؛ بل جزء من استراتيجية كبرى تهدف إلى كبح جماح القوى الصاعدة وفي مقدمتها الصين.

تقوم هذه الاستراتيجية على مبدأ أن أي تطوُّر اقتصادي أو عسكري لأي دولة دون إذن أمريكي أو موافقة غربية يُعد تهديدًا يجب وقفه. وهكذا، تتحول أدوات العولمة نفسها من التجارة الحرة إلى الاتفاقيات الدولية ثم إلى أسلحة تستخدمها أمريكا لتثبيت موقعها على القمة وتمنع بها الآخرين من الصعود.

في خضم هذه الحرب الاقتصادية، لم تكن زيارات القادة العالميين إلى واشنطن بمعزل عن السياق الأكبر. حيث أن زيارة رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي كانت تحمل في طياتها رسالة دعم أمريكي للهند في مواجهتها الجيوسياسية مع الصين. أما زيارات رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، فقد ارتبطت بإعادة تشكيل خريطة الشرق الأوسط بما يتماشى مع المصالح الأمريكية والإسرائيلية وتهيئة المنطقة لاستراتيجية الحصار الاقتصادي والعسكري ضد بكين.

على غرار هذا المشهد، لم تكن الدول العربية والإسلامية إلا ضحايا جانبية يقترب الكثير منها من حالة “الفقر الحضاري” حيث تُعاد صياغة حدود القوة والنفوذ دون أن يكون لها دور حقيقي في هذه اللعبة.

إن الهدف الاستراتيجي الأكبر للولايات المتحدة هو الصين. حيث يرى محللون أن أمريكا باتت أمام خيارين: إما مواجهة عسكرية مباشرة أو حرب اقتصادية طويلة المدى. وقد اختارت واشنطن حتى الآن المسار الثاني عبر تصعيد الرسوم الجمركية وتقييد الاستثمارات والتكنولوجيا.

تاريخيًا، يعود هذا الصراع إلى عقود مضت. تبنّت أمريكا بعد الحرب العالمية الثانية سياسة “الاحتواء” لكبح المد الشيوعي بقيادة الاتحاد السوفيتي والصين. ولكن مع انقسام المُعسكر الشيوعي، إثر أزمة الصواريخ الكوبية، غيّرت واشنطن استراتيجيتها وبدأت بـ”الانخراط مع الصين” في عهد الرئيس نيكسون عام 1972.

هذا التحول منح الصين فرصة الدخول إلى النظام الاقتصادي العالمي. وبحلول عام 2001، أصبحت عضوًا في منظمة التجارة العالمية (WTO). ومن هنا، بدأت قصة الصعود الصيني المذهل والذي تحوّل مع الوقت إلى تهديد مباشر للهيمنة الأمريكية.

لم تعد الصين مجرد شريك تجاري ضخم، بل مُنافس يسعى لقيادة النظام الاقتصادي العالمي. فهي لم تُخالف القواعد بل استفادت منها بمهارة؛ مما جعل أمريكا تعيد النظر في كل تلك السياسات التي سمحت للصين بالنهوض.

وبدلًا من التكيّف مع هذا التغيُّر، قررت إدارة ترامب هدم النظام الذي أسَّسته لتُعيد تأسيسه وفقًا لمصالحها بطريقة تُقصي الصين وتُحجّم من قوتها. فمرحلة الرسوم الجمركية ما هي إلا تمهيد للسيطرة على الممرات التجارية الحيوية مثل مضيق ملقا وفرض واقع جيوسياسي جديد في الشرق الأوسط يعزل الصين اقتصاديًا ويخنق طموحاتها.

المرحلة الثانية من الخطة تبدو أكثر خطورة؛ إذ تشمل السيطرة العسكرية على الموارد والممرات الاستراتيجية وهو ما بدا جليًا بوضوح في إعادة تموضِع القوى في الشرق الأوسط وأفريقيا.

في المقابل، تقف الصين حاليًا في موقف الدفاع رغم امتلاكها حلفاء مثل روسيا والبرازيل وجنوب أفريقيا وباكستان. إلا أن التفوُّق الأمريكي في التكنولوجيا والتحالفات الغربية والمؤسسات الدولية لا يزال يُعطي واشنطن اليد العليا.

ورغم أن الولايات المتحدة قد لا تنجح في تكرار السيناريو الفنزويلي ضد الصين فإنها قد تنجح في إلحاق أضرار جسيمة بمكانتها الدولية وإبطاء اندفاعها نحو القمة.

ما نشهده ليس مجرد خلاف تجاري، بل بداية إعادة رسم خريطة العالم الاقتصادية والسياسية. هذه الحرب الباردة الجديدة تتجاوز خطوط الجغرافيا وتتغلغل في كل زاوية من النظام الدولي مع ما تحمله من تبعات كارثية على الدول النامية خاصة في العالم الإسلامي والعربي.

ولعل السؤال الأهم الآن: هل نحن أمام إعادة ترتيب للقرن الحادي والعشرين؟ أم أننا نعيش بداية انهيار نظام عالمي لم يعد صالحًا لموازين القوة؟

المصدر: المقال باللغة الأردية وتم نقله إلى اللغة العربية بواسطة عبدالرؤوف حسين، والآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري ل UrKish News.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء تعطيل حاجب الإعلانات للاستمرار في استخدام موقعنا