آراء و مقالات

احتمالية نشوب صراع عسكري واسع في منطقة الشرق الأوسط – الجزء الرابع

urkish news
رعايت الله فاروقي

لننظر الآن في موقف التحالف الغربي: هل يمتلك القدرة على خوض حرب ضد إيران؟ وهل يمكن أن يكون تأثيره على إيران كما كان في العراق؟

وفي هذا السياق نحن لا نكتفي بترديد الشعارات العاطفية مثل “النصر سيأتي بإذن الله” أو “ستنزل الملائكة من السماء” أو “ستتحطم قوى الكفر”. بل إن نهجنا كما أرشدنا الله هو أن نجهز أنفسنا لمواجهة العدو بكل ما نستطيع من قوة وشجاعة، ثم نتوكل على الله في مواجهته. والآن دعونا نتساءل: لمن تصب الأوضاع في صالحه، وضد من تكون؟

أولاً وقبل كل شيء يجب الاعتراف بأن الغرب كان يمثل قوة عسكرية حتى أحداث 11 سبتمبر. فقد كانت جهوده العسكرية موجهة ضد الاتحاد السوفيتي. وعندما انهار هذا الاتحاد، بدأ مفكرون مثل فرانسيس فوكوياما بكتابة مؤلفات مثل “نهاية التاريخ”، مما أوهم الغرب بأن الليبرالية ستكون النظام الوحيد الذي سيستمر إلى الأبد وأنه لن يظهر أي منافس لها ولن تتمكن أي قوة عظمى من مواجهتها.

عندما اعتقدوا بذلك بدأ الغرب بتقليص قواته العسكرية بشكل كبير، حيث لم يكن هناك منافس يدعوه لإنفاق آلاف المليارات من الدولارات على الدفاع. في ذلك الوقت لم تظهر أي دلائل على أن الصين ستصبح قوة عظمى، بينما كان المواطنون في روسيا يقفون في طوابير للحصول على الخبز من الحكومة يتناولونه مع الماء لتخفيف جوعهم.

بعد تقليص قوته العسكرية بدأ الغرب يعتمد على ثلاث ركائز أساسية لضمان السيطرة على العالم، وشرع أيضًا في الترويج لهذه الركائز بشكل مستمر. عند التمعن في الأمر يمكنك ملاحظة أن هذه الركائز تظهر بشكل متكرر في الأفلام الوثائقية، كما يتم بثها على قناة ناشيونال جيوغرافيك. ومن أبرز هذه الركائز مجموعات المعارك البحرية الأمريكية التي تتكون كل منها من حاملة طائرات وبعض الفرقاطات بالإضافة إلى عدد من المدمرات وغواصات مما يمنحها هيبة وجبروت عند مشاهدتها على الشاشة.

تليها القوة الجوية التي تم استعراضها بكثرة كجزء من الجهود للحفاظ على السيطرة العالمية. إذا تأملت قليلاً ستدرك أنه خلال العشرين عامًا الماضية تم إنتاج عدد كبير من الأفلام الوثائقية حول الطائرات العسكرية الأمريكية. حيث كان يتم تسليط الضوء على اختراعاتهم من الطائرات بمختلف طرازاتها وقدرتها التدميرية. أما الركيزة الثالثة التي تم الترويج لها بشكل كبير هي الصواريخ، حيث سعت الولايات المتحدة لتقديم تبريرات لاستخدام صواريخ “توماهوك كروز”. وبعد استعراض هذه الأمثلة الثلاثة نود أن نطرح عليك سؤالًا بسيطًا: هل سبق لك أن شاهدت فيلمًا وثائقيًا عن الجيش الأمريكي على قناة ناشيونال جيوغرافيك؟ فالجيش هو من يخوض الحروب بينما القوات البحرية والجوية والصواريخ تلعب دورًا “مساعدًا” فحسب.

والآن فلنرى كم يبلغ عدد أفراد الجيش في بعض دول التحالف الغربي. يتكون الجيش الأمريكي من 1.3 مليون مجند وهو عدد كبير، أليس كذلك؟ ولكن دعونا نرى كم عدد الفرق العسكرية لديهم. يمتلك الجيش الأمريكي ستة فرق عسكرية، وهي: الجيش البري، و قوات المارينز، و القوات البحرية، و القوات الجوية، و قوات الفضاء، و حرس السواحل. وبالتالي فإن عدد 1.3 مليون مجند موزع بين هذه الفرق الستة، حيث يبلغ عدد جنود الجيش البري 450 ألفًا. هل لا يزال العدد كبيرًا؟ لنقم الآن بتقسيم هذا العدد 450 ألفًا على 11 قيادة أنشأتها الولايات المتحدة للحفاظ على هيمنتها، حيث أن بعض هذه القيادات مخصصة لمناطق جغرافية معينة خارج الحدود الأمريكية. تشمل هذه القيادات: القيادة الإفريقية، و القيادة المركزية، و القيادة الأوروبية، و القيادة الهندو-باسيفيكية، و القيادة الشمالية، و القيادة الجنوبية، و قيادة الفضاء، و قيادة العمليات الخاصة، و القيادة الإلكترونية، و القيادة الاستراتيجية وقيادة النقل. وعند إضافة 180 ألف مجند من قوات المارينز نجد أن هيكلية الجيش الأمريكي تبدو متكاملة على الورق لكن من الصعب إقناع أي ضابط برتبة عقيد في أي جيش بالعالم بأن هذه القوة قادرة على احتلال دولة.

كانت هجمات السلاح الجوي والطائرات بدون طيار في العراق وأفغانستان مجرد دعاية يتفاخر بها الجيش على مدار العشرين عامًا الماضية، ورغم ذلك خرجت القوات الأمريكية من تلك البلدان مهزومة. حاليًا يواجه الجيش الأمريكي انخفاضًا بنسبة ستين في المئة في عدد المجندين الجدد اللازمين لتعويض الجنود المتقاعدين سنويًا. ما هي نتيجة ذلك؟ سيتعين عليهم تقليل المعايير والشروط وإلا فلن يتمكن الجيش من الحفاظ على العدد المطلوب من الأفراد.

لنلقِ نظرة سريعة على حالة حلفائهم، حيث يبدو الوضع متدهورًا إلى حد يثير الضحك عند النظر إلى أعدادهم. تتألف القوة العسكرية البريطانية من 138,000 جندي، ولكن عدد الجنود في الجيش البريطاني لا يتجاوز 75,000. أما القوة العسكرية الفرنسية فبلغت 270,000 جندي، في حين يتكون الجيش الفرنسي من 118,000 مجند. بالنسبة لألمانيا فتضم 180,000 جندي حيث يصل عدد الجيش إلى 63,000 مجند. بينما تبلغ القوة العسكرية الإيطالية 165,000 جندي، وعدد جنود الجيش الإيطالي هو 97,000. هذه هي القوة العسكرية لأكبر أربع دول في أوروبا، بينما بعض الدول الصغيرة تحتوي على قوات عسكرية تتألف من 18,000 جندي فقط، في حين تواجه روسيا أكبر التهديدات من هؤلاء القلة الذين لا يتجاوز عددهم 18,000.

والآن استعد وانصت جيداً: هل تعلم من هي أقوى الدول الأوروبية عسكريًا في الوقت الحالي؟ من الناحية العسكرية تُعتبر تركيا الأقوى بين الدول الأوروبية، حيث يبلغ إجمالي عدد قواتها المسلحة 500,000 جندي، منهم 400,000 مجند ضمن الجيش التركي البري.

قد تتبادر إلى ذهنك فكرتان: الأولى هي أنه على الرغم من قلة عدد القوات العسكرية لكل دولة أوروبية على حدة فإنها تتعاون لتشكيل حلف الناتو. وبالتالي عند جمع تلك القوات القليلة على مستوى الحلف نحصل على قوة عسكرية هائلة. أما الفكرة الثانية، فهي أن تركيا رغم كونها أكبر قوة عسكرية في أوروبا تُعتبر جزءاً من حلف الناتو مما يجعلها جزءاً من القوة الغربية. فلنستعرض هاتين الفكرتين بمزيد من التفصيل.

يجب علينا دائمًا أن نأخذ بعين الاعتبار أن حلف الناتو هو تحالف دفاعي بناءً على بنوده التي تنص على أن التحالف سيتدخل في حالة تعرض أي من الدول الأعضاء لهجوم. بخلاف ذلك لا يحق للناتو التدخل بأي شكل. وقد تم تبرير التدخل في أفغانستان تحت ذريعة هجمات 11 سبتمبر على الولايات المتحدة. ومع ذلك يرى بعض المفكرين الغربيين أن تدخل الناتو في أفغانستان كان انتهاكًا لبنوده، لأن حكومة أفغانستان لم تكن لها أي علاقة بهجمات 11 سبتمبر.

على نفس المنوال، قام حلف الناتو بقصف صربيا بعد ثلاث سنوات من انهيار الاتحاد السوفيتي، اعتمادًا على مبدأ “الحق لمن له القوة”. وحتى اليوم لا يزال الناتو يواجه إحراجًا في المؤتمرات الدولية بسبب ذلك. كما تكرر الأمر في ليبيا عندما تعرضت للقصف من قبل الناتو. لكن في حالة صربيا استفاد الناتو من غياب أي قوة قادرة على منعه. أما في أفغانستان وليبيا فلم تكن هناك مصالح كبيرة لأي دولة أخرى مما سمح للناتو باستغلال الوضع. لكن عندما يتعلق الأمر بالشرق الأوسط فإن الأمور تختلف؛ فهناك مصالح كبيرة جدًا، حيث تعتبر إيران ذات أهمية استراتيجية بالنسبة لروسيا والصين. لذلك، لا يمكن للناتو أن يتدخل هناك بسهولة.

بالنسبة لعضوية تركيا في حلف الناتو فإن التزام تركيا بالتحرك العسكري يكون فقط في حالة تعرض إحدى الدول الأعضاء للهجوم. خلاف ذلك يظل كل عضو في الناتو حرًا في اتخاذ قراراته. وفقًا لبنود الناتو، إذا قرر أحد الأعضاء الهجوم على دولة أخرى أو تقديم الدعم العسكري فإن هذا يتعلق بتلك الدولة وحدها، وحلف الناتو غير مسؤول عن ذلك ولن يشارك فيه. فإذا نشبت حرب كبيرة في الشرق الأوسط ورغب رجب طيب أردوغان في إرسال قوات تركية فلن يكون هناك أي انتهاك قانوني. بالرغم من أن أردوغان يعتبر زعيمًا غير موثوق به إلا أنه لا يمكن استبعاد احتمالية تدخله في هذه الحرب. وقد أعد أردوغان الأجواء مسبقًا ليكون الشعب التركي مستعدًا ذهنيًا لأي تدخل محتمل. كما أن تركيا تعتبر قوة كبيرة في مجال الطائرات بدون طيار مما يثير قلق إسرائيل. تركيا ليست بعيدة عن إسرائيل جغرافيًا حيث يمكنها الوصول إلى الحدود الإسرائيلية عبر سوريا.

في هذا الجزء الرابع من المقال قدمنا لمحة عن الوضع الحالي للتحالف الغربي من حيث قوته. لكن لا يزال هناك موضوع لم يُتناول بعد: ماذا سيحدث إذا تدخلت بعض دول هذا التحالف في الحرب المحتملة في الشرق الأوسط، بحيث لا تقتصر أدوارها على الدفاع عن إسرائيل فحسب بل تشارك أيضًا في الهجوم على إيران؟ سنناقش هذا السؤال في الجزء القادم… (تابع)

الآراء المعبر عنها في هذه المقالة تعود للكاتب ولا تعكس بالضرورة السياسة التحريرية لموقع UrKish News.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء تعطيل حاجب الإعلانات للاستمرار في استخدام موقعنا