
عبدالرؤوف حسين
في تصعيد جديد يعيد المشهد الفلسطيني إلى دائرة العنف، استأنفت إسرائيل عملياتها العسكرية في قطاع غزة منهيةً بذلك هدنة استمرت نحو شهرين. وأسفرت الغارات الأولى عن سقوط مئات الضحايا بينهم أطفال ونساء وسط تزايد التحذيرات من كارثة إنسانية تلوح في الأفق. لكن، بعيدًا عن المبررات العسكرية يبدو أن قرار استئناف الحرب مرتبط بشكل وثيق بالمأزق السياسي الذي يواجهه رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في الداخل.
أزمة تفاوض وعجز سياسي
قبل انهيار الهدنة، كانت حكومة نتنياهو تخوض جولة مفاوضات مع وسطاء دوليين من بينهم مصر وقطر والولايات المتحدة حول تنفيذ المرحلة الثانية من الاتفاق والتي كانت تشمل الإفراج عن مزيد من الأسرى الإسرائيليين مقابل تخفيف الحصار عن غزة والمضي في ترتيبات ما بعد الحرب. إلا أن نتنياهو اتخذ موقفًا مترددًا حيث حاول تحقيق مكاسب سياسية دون تقديم التزامات واضحة بوقف القتال ما أدى إلى تعثر المحادثات.
التصعيد الأخير جاء بعد أن عرضت حركة حماس إطلاق سراح الأسير الإسرائيلي-الأمريكي إدن ألكسندر، بالإضافة إلى رفات أربعة إسرائيليين مقابل خارطة طريق واضحة للمرحلة الثانية. هذا العرض وضع نتنياهو في موقف محرج إذ بدا وكأن المقاومة الفلسطينية تفرض شروطها وهو ما دفعه إلى اتخاذ قرار بإنهاء الهدنة والعودة إلى العمليات العسكرية كوسيلة لقطع الطريق أمام أي اتفاق يُظهره بمظهر المتراجع أمام خصومه.
ضغوط من الداخل: بين المعارضة واليمين المتطرف
لم يكن استئناف الحرب مجرد قرار عسكري بل جاء مدفوعًا بحسابات سياسية داخلية معقدة. فمنذ توقيع الهدنة، واجه نتنياهو انتقادات حادة من أقطاب اليمين المتطرف داخل حكومته الذين اعتبروا أي اتفاق مع حماس بمثابة “خضوع” لشروطها.
وزير المالية بتسلئيل سموتريتش أحد أبرز المعارضين للهدنة، اشترط دعمه لحكومة نتنياهو باستئناف العمليات العسكرية في الضفة الغربية بل طالب بشن هجوم واسع النطاق في غزة لإحداث “نزوح فلسطيني كبير” وهي خطة لم ينفها رئيس الوزراء الإسرائيلي.
أما وزير الأمن القومي إيتمار بن غفير فقد استغل فترة الهدنة للانسحاب من الحكومة احتجاجًا على التفاوض مع حماس، لكنه عاد فور إعلان استئناف الحرب في خطوة تُفسر بأنها جزء من تفاهمات سياسية تضمن بقاء الائتلاف الحكومي متماسكًا.
إقالة رئيس الشاباك: صراع على النفوذ
في تطور موازٍ، أقدم نتنياهو على إقالة رئيس جهاز الأمن الداخلي (الشاباك) رونين بار وهي خطوة أثارت جدلًا واسعًا في الأوساط السياسية الإسرائيلية. رسميًا، برر نتنياهو القرار بفقدان الثقة في بار إلا أن تقارير إعلامية تحدثت عن أن الإقالة جاءت على خلفية تحقيقات كان يجريها الجهاز بشأن صفقات مشبوهة بين مستشارين في مكتب نتنياهو وقطر.
ورغم أن الحكومة وافقت بالإجماع على إنهاء ولاية بار بحلول 10 أبريل إلا أن المحكمة العليا أصدرت أمرًا مؤقتًا بوقف تنفيذ القرار ما يعكس تصاعد الصراعات داخل مؤسسات الدولة.
أبعاد إقليمية ودولية: واشنطن تدخل على الخط
على الصعيد الدولي، جاء استئناف الحرب في غزة وسط تحركات أمريكية مكثفة في الشرق الأوسط حيث شنت واشنطن ضربات جوية على مواقع في اليمن ردًا على هجمات الحوثيين ضد سفن إسرائيلية وأمريكية في البحر الأحمر. الرئيس الأمريكي دونالد ترامب لم يتردد في توجيه الاتهام إلى إيران مهددًا بأن “طهران ستدفع الثمن” ما يزيد من احتمالات تصعيد إقليمي أوسع.
احتجاجات داخل إسرائيل: الرهائن في قلب الأزمة
في الداخل الإسرائيلي، تزايدت الاحتجاجات المطالبة بإبرام صفقة جديدة للإفراج عن الرهائن المحتجزين لدى حماس وسط انتقادات لنتنياهو بسبب قراراته التي يُنظر إليها على أنها تعقّد فرص إعادتهم سالمين.
وفي تل أبيب، شارك مئات المتظاهرين بينهم عائلات الرهائن في مسيرات حملت شعارات تطالب الحكومة بإعطاء الأولوية لملف الأسرى بدلًا من تصعيد الحرب. وقال إيعير هورن أحد الرهائن المفرج عنهم مؤخرًا: “يمكن التعامل مع حماس لاحقًا لكن الوقت ينفد بالنسبة للرهائن يجب إعادتهم أولًا”.
مستقبل نتنياهو: إلى أين تتجه إسرائيل؟
مع تصاعد الضغوط الداخلية والخارجية، بات مستقبل حكومة نتنياهو على المحك. فإذا فشل في تمرير ميزانية الدولة بحلول 31 مارس فإن الكنيست سيُحل تلقائيًا ما يعني التوجه إلى انتخابات مبكرة قد تضع حدًا لحكمه الممتد منذ سنوات.
وفي ظل استمرار الحرب والانقسامات داخل المجتمع الإسرائيلي وتزايد المطالبات الدولية بوقف القتال، يبقى السؤال: هل يستطيع نتنياهو النجاة سياسيًا أم أن هذه الأزمة ستُسقط حكومته أخيرًا؟