آراء و مقالات

تشي جيفارا: من الثائر الحالم إلى الأيقونة التجارية

ضريح تشي جيفارا في كوبا (wikiwand)

رعايت الله فاروقي

رغم مرور عقود على مقتله، لا يزال اسم “تشي جيفارا” (Che Guevara) يتردد على الألسنة ويتصدر الجداريات والقمصان ومحلات الهدايا حول العالم. لكن ما تخفيه صورة هذا الثائر الوسيم هو سلسلة من المغامرات الفاشلة والقرارات العشوائية التي لم تخدم الثورة بقدر ما أضرت بها وجعلت من جيفارا عبئاً سياسياً على أقرب حلفائه.

بعد نجاح الثورة الكوبية عام 1959، كان الزعيم الكوبي فيدل كاسترو واعيًا بخطورة العزلة الدولية فسارع لبناء علاقة استراتيجية مع الاتحاد السوفيتي ليضمن حماية بلاده من القوى الكبرى وعلى رأسها الولايات المتحدة. في المقابل، كان تشي جيفارا يرفض فكرة الانضواء تحت جناح قوة كبرى وكان يعتقد أن الثورة لا تعترف بالحدود ولا بالتحالفات.

وجاءت القشة التي قصمت ظهر العلاقة بينه وبين السوفييت عندما هاجمهم علنًا في مؤتمر بالجزائر واصفًا الاتحاد السوفيتي بـ”الإمبراطورية التقليدية” منتقدًا بيع الأسلحة للدول الاشتراكية بدل تقديمها مجانًا. هذا الموقف فُسر على أنه تمرد على معسكره السياسي وهو ما لم يتسامح معه كاسترو ولا الكرملين.

بمجرد عودته إلى كوبا، تم تجريده من مناصبه وحتى من جنسيته وتوارى عن الأنظار، في انسحاب بدا مدروسًا أكثر منه اختيارًا. بعد فترة قصيرة، ظهر كاسترو ليقرأ أمام الجماهير رسالة وداع كتبها تشي يعلن فيها انسحابه من الساحة الكوبية تفاديًا لإحراج الحلفاء. لكنها، كما أثبتت الوثائق لاحقًا كانت حركة سياسية هدفها التخلص من “الثائر المزعج” وإيصال رسالة ضمنية إلى الولايات المتحدة بأن “تشي لم يعد له ظهير سياسي“.

لاحقًا، اتجه تشي إلى إفريقيا ظنًا منه أنه قادر على تكرار تجربة كوبا في الكونغو. لكن جهله بالواقع الإفريقي وثقته المفرطة في كاريزمته جعلا من تلك المغامرة نكتة سياسية. لم يفهم الثقافة المحلية ولم يلقَ أي تجاوب حقيقي حتى أن بعض الأفارقة وصفوه بـ”المجنون“. ومع أول تحرك استخباراتي ضده فر عائدًا إلى كوبا.

وهناك، لم يجد ترحيبًا من كاسترو بل أُرسل في مهمة أخرى إلى بوليفيا بحجة إشعال الثورة هناك. اختار موقعًا سيئًا لإقامة معسكره يفتقر لأبسط مقومات الحياة وانقطعت عنه الإمدادات بعد أن خذله الحزب الشيوعي المحلي. حتى رفاقه انسحبوا معتقدين أن الأمر كله جزء من “مؤامرة أجنبية” بسبب وجود أجانب غامضين معه.

لم يطل الأمر حتى حاصرته القوات البوليفية وأُسِر بعد أن استسلم دون قتال. وتم إعدامه لاحقًا، ليس كـ”بطل ثوري” بل كـ”متسلل أجنبي يهدد أمن البلاد“، وفق ما ورد في البيانات الرسمية البوليفية.

اللافت، أن موته شكّل بداية لأسطورته. ففي كوبا، أقيم له حفل تأبيني رمزي وجرى دفن صندوق خشبي مغطى بالعلم الكوبي في جنازة عسكرية، فيما عُلقت صوره في كل مكان ووُضع اسمه في المناهج الدراسية وتغنى به الطلاب صباحًا في الطوابير المدرسية.

لكن حين بدأت مؤشرات سقوط الاتحاد السوفيتي تلوح في الأفق، نصح السوفييت كاسترو بالتخلص من إرث “تشي” كي لا يتحول إلى عبء سياسي. وهكذا، بدأت صوره تختفي تدريجيًا من المشهد الكوبي.

وفي مفارقة لافتة، تبنّى النظام الرأسمالي -الذي حاربه تشي- صورته وأيقونته. فباتت تُطبع على الأكواب والقمصان والشنط والإعلانات. بل وأصبحت صورته رمزًا للتمرد الشبابي يستخدمها الليبراليون أنفسهم في مظاهرات وأحداث لا علاقة لها بالاشتراكية أو الثورة.

لقد تحول تشي جيفارا من “رمز مقاومة” إلى “علامة تجارية” تستخدمها الأنظمة والمنظمات – أحيانًا – لإثارة الحشود تمامًا كما يُوزع المال أو المنشورات الدعائية.

ويبقى السؤال: هل كانت مأساة تشي جيفارا في مواقفه الثورية الجذرية؟ أم في ثقته الزائدة التي جعلته ينقلب حتى على حلفائه؟ أم في نظام لم يحتمله حيًّا، واستفاد منه ميتًا؟

المصدر: المقال باللغة الأردية وتم نقله إلى اللغة العربية بواسطة حسن محمود، والآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري ل UrKish News.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء تعطيل حاجب الإعلانات للاستمرار في استخدام موقعنا