
رعايت الله فاروقي
قضية إيران وإسرائيل ليست بالبساطة التي قد تبدو عليها. ما يزيد من تعقيدها هو كيفية شرحها لأشخاص ينظرون إلى الأمور من زاوية التعصب. هؤلاء الأشخاص المتعصبون يصرون على قول: “انظروا، إيران لا تقوم بشيء، إنها متحالفة مع إسرائيل” دون أن يكلفوا أنفسهم عناء التفكير في الأسباب التي دفعت إيران إلى قبول هذا الدور مما يسمح لإسرائيل بضرب قادتها متى أرادت، بينما تلتزم إيران الصمت وتتحمل تلك الضربات.
لقد رأينا هذا النوع من التعصب وضيق الأفق لدى أشخاص يبدون في الظاهر أنهم غير متعصبين. في مثل هذه الظروف قد يكون من السهل أن يخطر على البال التوقف عن الكتابة في هذه المواضيع. لكن في النهاية نجد أنفسنا مضطرين للكتابة مع إدراك أن ما نكتبه ليس بالضرورة أن يكون موجّهًا للجمهور الحالي فقط، بل يجب أن يكون موجهًا للتاريخ أيضًا. لذلك دعونا نبدأ الحديث.
في هذا المقال سنمتنع عن ذكر بعض الأسماء لتجنب رقابة منصات التواصل الاجتماعي. ومع ذلك سنوضح الموضوع بشكل كامل لتمكينكم من فهمه دون الحاجة إلى ذكر الأسماء.
في اليوم الأخير من يوليو هذا العام، وقعت عملية اغتيال كبرى في طهران مما أحدث صدمة كبيرة في إيران. الشخص المستهدف كان زعيمًا وضيفًا للحكومة الإيرانية، وقد حضر لحضور مراسم أداء اليمين للرئيس الإيراني المنتخب حديثًا مسعود پزشکیان. يعتبر الاغتيال بحد ذاته جريمة خطيرة، ولكن ما يجعل هذا الحادث أكثر حساسية هو أن العفو قد يكون ممكنًا في حالة جريمة قتل تطال أقربائك إلا أن اغتيال ضيف لا يترك مجالاً للتسامح.
إسرائيل التي تسعى إلى الحرب مع إيران بدعم من حلفائها الغربيين نفذت هذه العملية بهدف دفع إيران إلى الرد، وهو رد فعل قد يؤدي إلى إشعال حرب تحتاجها إسرائيل بشدة. الإيرانيون يدركون أن المسألة هذه المرة لا تتعلق فقط بخلق حالة ردع تنتهي بهجوم مضاد، بل إنها قد تؤدي إلى اندلاع حرب شاملة. لذلك إذا كانت الحرب لا مفر منها فإن الاستعدادات الطارئة أصبحت ضرورة حتمية بما في ذلك تأمين مواقع معينة ونقل بعض الإمدادات إلى أماكن محددة.
تشير الأدلة إلى أنه خلال الأسابيع الثلاثة الماضية، أنشأت طائرات النقل الروسية جسرًا جويًا للإمدادات بين روسيا وإيران. وفي هذا السياق قدمت روسيا لإيران بعض المعدات التي لم تستخدمها بعد بنفسها. على سبيل المثال يمكن ملاحظة الأخبار المتعلقة بتزويد إيران بأنظمة الحرب الإلكترونية “مرمنسك بي إن”.
يتميز هذا النظام بمدى يصل إلى 5000 كيلومتر، ويستطيع تعطيل أنظمة الاتصالات الخاصة بالطائرات والصواريخ ضمن هذا النطاق. رغم عدم وجود إعلان رسمي من إيران أو روسيا بشأن الموضوع إلا أن هناك ثلاث نقاط جديرة بالاهتمام. أولاً: هذه المعلومات تؤكدها مصادر غربية موثوقة ،تعارض بشدة جنون الحرب في الغرب. ثانيًا: لم تنكر روسيا أو إيران هذه الأخبار. ثالثًا: في الفترة التي انتشرت فيها هذه المعلومات أفادت بعض شركات الطيران بوقوع اضطرابات جزئية في أنظمة الـ GPS أثناء الطيران في الأجواء الإيرانية، ومن المعروف أن نظام “مرمنسك بي إن” يستهدف أنظمة GPS على وجه الخصوص.
يُطرح هنا سؤال مهم: إذا كان هذا النظام يتمتع بمدى طويل وفعالية كبيرة، فلماذا لم تستخدمه روسيا في عمليتها العسكرية في أوكرانيا؟ هناك إجابتان واضحتان لذلك. أولاً: تم تحييد سلاح الجو الأوكراني فعليًا من قبل روسيا، كما تمكنت من التصدي بمستوى محدود لأنظمة الصواريخ الأمريكية “هايمارس” والصواريخ البريطانية “ستروم شادو”. ثانياً: والأهم أن روسيا قد تفضل عدم استخدام هذه التكنولوجيا الجديدة والحاسمة ضد خصم مثل أوكرانيا مفضلة الاحتفاظ بها لاستخدامها ضد حلف الناتو أو أعضائه.
إذا تأملنا الأمر من هذا المنظور نجد أن إيران تمثل موقعًا استراتيجيًا بالغ الأهمية بالنسبة للدفاع الروسي. وأي ضرر يصيب إيران سيشكل تهديدات جديدة لروسيا. أما إسرائيل التي تسعى إلى إشعال الصراع فهي تعتمد بشكل كبير على الولايات المتحدة، وبريطانيا، وفرنسا. وبدون دعم هذه الدول لن تتمكن إسرائيل من خوض الحرب، ناهيك عن تحقيق الانتصار فيها.
على الرغم من أن الولايات المتحدة ليست مستعدة حاليًا لخوض حرب ضد إيران فإن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو يعتقد أنه إذا شكلت إيران تهديدًا لأمن إسرائيل فإن التدخل لن يقتصر على الولايات المتحدة فقط، بل من المتوقع أن ينضم باقي الحلفاء إلى هذه الحرب. وفي هذه الحالة المحتملة ستكون مصالح روسيا الكبرى على المحك مما يجعل تقديم نظام “مرمنسك بي إن” للحرب الإلكترونية إلى إيران خطوة مبررة تمامًا.
تطرح هذه المسألة العديد من الأسئلة المهمة حول الحرب نفسها. على سبيل المثال: إذا تدخلت الولايات المتحدة وبعض حلفائها في هذه الحرب، هل سيكونون قادرين على تحقيق النجاح؟ هل سيكون وضع إيران مشابهًا لما حدث في العراق؟ وهل ستقتصر مشاركة الولايات المتحدة وحلفائها على الدفاع ضد الهجمات التي تستهدف إسرائيل، أم ستشمل شن هجمات على إيران؟ والأهم من ذلك، هل يمكن للعالم تحمل تكاليف هذه الحرب؟
لكن السؤال الأهم الذي يجب طرحه أولاً هو: لماذا تسعى إسرائيل إلى هذه الحرب بهذا الحماس؟ هل الأمر مجرد محاولة من رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو لتفادي مواجهة قضاياه السابقة التي قد تؤدي إلى سجنه بمجرد انتهاء النزاع؟ وهل استمرار هذا الوضع هو خياره الوحيد لتجنب الاعتقال؟ أم أن هناك خطة أوسع وأعمق وراء هذا التحرك؟…. (تابع)
تم نقله من الأردية بواسطة: UrKish News (المصدر)
الآراء المعبر عنها في هذه المقالة تعود للكاتب ولا تعكس بالضرورة السياسة التحريرية لموقع UrKish News.