آراء و مقالات

النقش الإيراني على جدار الهيبة الإسرائيلية

تعبيرية (UrKish)

ستة أيام مرّت على الهجوم الإسرائيلي المباغت على إيران وهو زمن قصير نسبيا في مقياس الحروب، لكنه كان كافيا ليقلب الموازين ويكشف ما كان مستترا خلف دخان الصواريخ وأزيز الطائرات. الآن، بات المشهد أكثر وضوحا: إسرائيل أخطأت الحسابات وإيران فاجأت الجميع — حتى ألدّ أعدائها.

بدأ الهجوم الإسرائيلي وفق ما يبدو بخطة مُحكمة على الورق. الفرضية الأساسية كانت أن اغتيال قيادات إيرانية بارزة مصحوبا بعمليات تخريب داخلية ينفذها عملاء الموساد واختراق الدفاعات الجوية الإيرانية، كفيل بإحداث حالة من الفوضى والانهيار السياسي تؤدي في النهاية إلى تغيير النظام أو على الأقل شلّه.

لكن ما لم تتوقّعه تل أبيب أن القيادة الإيرانية لن تتصرف كهدف في مرمى النيران بل كمركز قيادة مستعد لمثل هذا السيناريو. لم تفقد طهران توازنها ولم تنهار أنظمتها كما كانت إسرائيل تأمل.
في ظرف 8 ساعات، استعادت إيران السيطرة على منظومتها الدفاعية وعيّنت قيادة عمليات بديلة ثم بدأت في الرد بهجوم صاروخي واسع النطاق.

لم يكن الرد الإيراني مجرد انتقام انفعالي. فمنذ الليلة الأولى، ظهر جليّا أن إيران تخوض معركتها بعقل بارد وتخطيط مسبق. أطلقت مئات المسيّرات والصواريخ القديمة لتحديد مواقع الدفاعات الجوية الإسرائيلية. الهدف لم يكن تدميرا آنيا بل كشف منظومة الرد الإسرائيلية.

في الليلتين التاليتين، دمرت إيران منظومات الرادار والدفاع الجوي ليُفسَح المجال لصواريخ أكثر تطورا ودقة. ومع الليلة الرابعة تغيرت المعادلة: منشآت استراتيجية إسرائيلية — مثل مصفاة حيفا لإنتاج وقود الطائرات ومستودعات تخزين الوقود ومراكز الكهرباء والغاز — أصبحت أهدافا مباشرة. حتى مقرّ الموساد ووحدة 8200 المتخصصة في الاستخبارات التقنية لم يسلم من الضربات.

تزامنا مع الهجمات الميدانية، أطلقت إيران هجوما سيبرانيا غير مسبوق استهدف البنية التحتية الإعلامية والدفاعية لإسرائيل. أنظمة الاتصال تعطلت ومحطات تلفزة خرجت عن البث وحتى القبة الحديدية أطلقت صواريخها خطأ على مبانٍ داخلية. كان ذلك المشهد دليلا حيّا على اختراق إيراني فعّال لكل ما تبقى من قدرة دفاعية إسرائيلية.

أمام هذا الانهيار، اضطر رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو إلى الإقرار بعجز بلاده معلنا أن إسرائيل لا تستطيع الاستمرار دون دعم أمريكي مباشر. في واشنطن، كان دونالد ترامب يشارك في قمة مجموعة السبع في كندا وقد صرّح في بداية الأزمة أن “هذه ليست حربنا بل حرب إسرائيل”. لكن الهجوم الإيراني قلب المشهد تماما.

فجأة، قطع ترامب زيارته وعاد إلى واشنطن وأصدر تغريدة مثيرة للجدل دعا فيها إلى “إخلاء طهران فورا” مطالبا بلقاء عاجل مع القيادة الإيرانية. بعدها بساعات، بدأت الطائرات الأمريكية بالتحرك نحو الشرق الأوسط ما اعتبره مراقبون إعلانا ضمنيا بأن الولايات المتحدة باتت طرفا في هذه الحرب.

تصريحات ترامب تصاعدت سريعا إلى تهديدات صريحة باغتيال المرشد الإيراني الأعلى وهو ما وُصف بأنه سلوك “لا يليق برئيس دولة كبرى” بل أقرب إلى لهجة العصابات.

المفاجئ أن أعنف ردود الفعل لم تأتِ من طهران بل من داخل الولايات المتحدة نفسها وتحديدا من معسكر “MAGA” — الحملة التي قادها ترامب لإعادة “عظمة أمريكا” والتي ضمّت أسماء مثل إيلون ماسك وتاكر كارلسون وتولسي غابارد — هؤلاء دخلوا في حالة من الصدمة بعدما شاهدوا ترامب ينقلب على تعهّداته الانتخابية ويتجه نحو حرب قد تجرّ الولايات المتحدة إلى مستنقع جديد.

الانتقادات طالت ترامب من كافة الاتجاهات خصوصا بعد تذكيره بتقارير استخباراتية أمريكية — قدّمتها مديرة الاستخبارات الوطنية بنفسها — أكدت أن إيران لا تطوّر سلاحا نوويا. لكن ترامب تجاهل ذلك وأصر على موقفه مؤكدا: “أنا أقول إنهم يطوّرونه، إذا هم يطوّرونه”.

حتى ملفات “جيفري إبستين” عادت إلى الواجهة مع تساؤلات حول ما إذا كانت ضغوط الموساد الخفية لها علاقة بهذا التبدّل المفاجئ في موقف ترامب خاصة بعد تلميحات سابقة من إيلون ماسك حول تورّط أسماء كبيرة في هذه الشبكة المشبوهة.

ومع تصاعد التوتر، لم تتوقف إيران عند الضربات داخل إسرائيل. في الليلة التالية، استهدفت مواقع عسكرية إسرائيلية في جنوب لبنان ومرتفعات الجولان — مناطق نفوذ حزب الله. الرسالة كانت واضحة: الطريق أصبح مفتوحا أمام الحزب وإسرائيل باتت مضطرة لمواجهة تهديد مزدوج من إيران وحلفائها.

ما بدا كمحاولة إسرائيلية “لضربة قاضية” انقلب إلى ورطة استراتيجية. خلال أسبوع واحد فقط، أثبتت إيران أنها ليست فقط قادرة على الرد بل على السيطرة على ميدان المعركة سياسيا وعسكريا وسيبرانيا. وإذا لم تتدخل الولايات المتحدة بشكل مباشر فإن الهزيمة الإسرائيلية تبدو وشيكة — لا كاحتمال بل كقدر مكتوب.

وإذا كان لا بد من استعارة مشهد رمزي لهذا السقوط فإنه لا يوجد أوضح من الصورة: الهزيمة الإسرائيلية تُكتب اليوم على حائط المبكى — حيث يقف العالم يتأمل ما لم يكن في الحسبان.

المقال باللغة الأردية كتبه المحلل العسكري الباكستاني رعايت الله فاروقي وتم نقله إلى اللغة العربية بواسطة عبدالرؤوف حسين والآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري ل UrKish News.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء تعطيل حاجب الإعلانات للاستمرار في استخدام موقعنا