
فريق UrKish News
بينما كانت القوى الغربية تحيي الذكرى الثمانين لنهاية الحرب العالمية الثانية على وقع انقسامات حادة وتصورات متناقضة للمستقبل، كانت الوقائع على الأرض تشير إلى ما هو أبعد من مجرد توتر عابر: العالم يتجه بخطى متسارعة نحو صراع عالمي جديد متعدد الجبهات متداخل الأبعاد لا يشبه حروب الماضي في الشكل لكنه قد يفوقها فتكا ودمارا.
في تصريحات مثيرة للقلق، وصفت فيونا هيل المستشارة السابقة في مجلس الأمن القومي الأمريكي، المشهد الحالي بأنه “بداية فعلية لحرب عالمية ثالثة” لكنها ليست مُعترفا بها بعد.
المفارقة أن ما كان يُعدّ سيناريو خياليا في أدبيات التحليل الاستراتيجي، بات اليوم واقعا يتشكل على مرأى العالم وسط صمت المنظمات الدولية وتآكل الثقة في النظام العالمي القائم منذ عام 1945، وفق ما أوردته صحيفة “جارديان“.
تفكك النظام العالمي وتآكل الردع
شهدت العقود الماضية بروز نظام دولي قائم على قواعد وضمانات أمنية وتوازنات كبرى صاغتها واشنطن وحلفاؤها في أعقاب الحرب العالمية الثانية. لكن هذا النظام يشهد اليوم تفككا متسارعا ترجمته سلسلة من الأزمات في مناطق متعددة، من غزة والسودان وكشمير، إلى أوكرانيا وبحر الصين الجنوبي.
المؤسسات الدولية التي أنشئت لضبط النظام كالولايات المتحدة والأمم المتحدة وحتى حلف الناتو، باتت عاجزة عن منع الانزلاق نحو مزيد من التصعيد. يقول وزير الخارجية البريطاني الأسبق ديفيد ميليباند: “نحن لا نعيش تغيرًا عاديًا بل لحظة تحوّل جيوسياسي كبرى لا تقل أهمية عن سقوط جدار برلين”.
انسحاب أمريكي.. وغياب القيادة
تتحمّل الولايات المتحدة بصفتها القوة الكبرى التي قادت النظام العالمي منذ نهاية الحرب الثانية جانبا كبيرا من المسؤولية عن هذا الفراغ الاستراتيجي. فسياسات الانعزال التي انتهجها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، لا تزال تلقي بظلالها حيث تراجعت واشنطن عن أدوارها التقليدية وأضعفت منظومات الشراكة والثقة التي تطلّب بناؤها ثمانية عقود.
وزير الخارجية السابق أنتوني بلينكن عبّر عن ذلك صراحةً بقوله: “قضينا 80 عامًا نبني التحالفات… ويمكن تدميرها في 100 يوم فقط” والنتيجة: دول عديدة بدأت بالفعل البحث عن بدائل للعمل بعيدا عن واشنطن.
أوكرانيا.. ساحة اختبار النظام العالمي
الحرب الروسية في أوكرانيا لم تعد مجرد صراع حدودي بل تحوّلت إلى ساحة لتصادم رؤيتين للعالم: واحدة غربية قائمة على القواعد وأخرى شرقية تُشرعن القوة كوسيلة لتحقيق النفوذ.
إلى جانب روسيا، دخلت دول مثل الصين وكوريا الشمالية وإيران على الخط بدعم مباشر أو غير مباشر، بينما استمرت الهند في شراء النفط الروسي بكميات ضخمة ما يكشف عن تصدع التضامن الغربي في مواجهة موسكو.
الرئيس الروسي فلاديمير بوتين يسعى لتكريس واقع جديد حيث تُقسَّم مناطق النفوذ بين القوى الكبرى على غرار “اتفاق يالطا” بعد الحرب الثانية فيما تبقى أوروبا مجددًا المتفرج القلق.
أزمات أخرى.. والنار تمتد
بعيدًا عن أوروبا تتفاقم الأزمات في مناطق أخرى:
في غزة بستمر الحصار الإسرائيلي وسط تجاهل لأحكام محكمة العدل الدولية وتصعيد غير مسبوق ضد المدنيين.
في السودان تتكرر مشاهد الدمار مع تدخلات إقليمية تعرقل أي حل سياسي.
في كشمير تتبادل الهند وباكستان – وهما قوتان نوويتان – التهديدات وإطلاق الصواريخ دون تدخل أمريكي فعّال كما كان يحدث في الماضي.
هذه التوترات ليست معزولة بل تشير إلى تراجع فعالية الردع وانهيار الهياكل التي كانت تمنع الانزلاق إلى حرب شاملة.
أوروبا تستفيق.. لكن متأخرة
بدأت أوروبا تستشعر الخطر. فرنسا وألمانيا وبريطانيا تدرس إرسال قوات إلى أوكرانيا بشكل مستقل عن الناتو في خطوة تعكس تراجع الثقة في الحماية الأمريكية. حتى الرئيس الألماني فرانك شتاينماير قال في كلمة له: “انتهى القرن العشرون الطويل… نحن أمام حقبة جديدة لا نعرف حدودها”.
لكن انقسام المواقف الأوروبية حول الملف الفلسطيني والعجز عن اتخاذ مواقف موحدة، يشير إلى أن القارة العجوز لم تبلور بعد استراتيجية موحدة لمواجهة المرحلة القادمة.
الشعوب أيضًا تستشعر الخطر
استطلاعات رأي أجريت في ست دول كبرى أظهرت أن نحو نصف السكان يعتقدون أن حربًا عالمية ثالثة قد تندلع خلال السنوات العشر المقبلة. وعبّر الكثيرون عن خشيتهم من اندلاع نزاع نووي يفوق في ضحاياه الحربين السابقتين.
اللافت أن عددا متزايدا من المشاركين في هذه الاستطلاعات يرون أن جرائم تشبه تلك التي ارتكبها النازيون قد تتكرر في العصر الحديث ليس فقط في دول العالم الثالث بل حتى في الغرب.
من ينقذ العالم؟
رغم كل شيء، لا تزال المؤسسات التي نشأت بعد الحرب العالمية الثانية – كالناتو والأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي – تحظى بثقة نسبية بوصفها الضمانة الأساسية للسلم الدولي. لكن السؤال يبقى: هل يكفي ذلك لمنع الانهيار الشامل؟
في ظل هذا التفكك، تبرز الحاجة إلى قيادة عقلانية وإلى إحياء حقيقي للنظام الدولي قبل أن يتكرّر خطأ القرن العشرين: الاستخفاف بمقدمات الحرب والاكتفاء بالمشاهدة.
الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري ل UrKish News.