
لا يتوقف الحديث عن إيران ودورها في معادلات السياسة الدولية. واشنطن تراها خصما استراتيجيًا بينما تدعمها موسكو في مواجهة الضغوط الغربية. لكن السؤال: لماذا تحظى إيران بهذه المكانة؟ ولماذا لا تتركها القوى الكبرى لشؤونها الداخلية؟
كثيرون يربطون المسألة بالثورة الإسلامية عام 1979 أو بمرحلة محمد مصدق غير أن العودة إلى الوراء تكشف جذورًا أعمق تعود إلى الحرب العالمية الثانية، حين تحولت إيران من بلد هامشي إلى مركز لوجستي محوري في صراع القوى الكبرى.
في 22 يونيو 1941 شنّ الجيش النازي هجوما على الاتحاد السوفيتي بمشاركة 3.5 مليون جندي. الاتحاد السوفيتي وجد نفسه بحاجة عاجلة إلى الدعم. الولايات المتحدة كانت قد بدأت عبر برنامج “الإعارة والتأجير” بتزويد أوروبا بالمعدات والمواد لكنها احتاجت إلى ممر آمن لإيصال المساعدات إلى موسكو. الطريق القطبي لم يكن آمنًا بسبب الغارات الألمانية فوقع الاختيار على إيران.
لكن إيران وقتها كانت بلدًا ضعيف البنية التحتية بطرق متهالكة وسكك حديد قديمة وموانئ مدمرة. روزفلت وتشرشل اتفقا على مشروع ضخم لتحويلها إلى ممر إمداد لكن العقبة كانت سياسية، إذ أعلن الشاه رضا بهلوي الحياد مع احتفاظه بعلاقات قوية بالألمان.
في 25 أغسطس 1941 دخلت القوات السوفيتية من الشمال والبريطانية من الجنوب في عملية “كاونتنانس” (Operation Countenance). خلال ثلاثة أيام انتهى كل شيء. أُجبر الشاه على التنازل عن العرش لابنه محمد رضا بهلوي ثم نُفي إلى الخارج حيث مات بعد سنوات.
ومع صعود الشاه الجديد بدأت عملية إعادة تشكيل إيران. وصل آلاف المهندسين الأمريكيين مع معدات ثقيلة فتم تحديث موانئ خرمشهر وعبادان وربطها بالبحر قزوين بخط سكة حديد يمتد 1400 كيلومتر. بنيت طرق واسعة تربط طهران بالمدن الكبرى وأُنشئت مخازن ومصانع تجميع للطائرات.
خلال الحرب تحولت إيران إلى محور لوجستي أساسي للسوفييت. عبر الممر الفارسي وصلت إليهم 475 ألف شاحنة، 12 ألف مدرعة، 2000 قاطرة و11 ألف عربة قطار، نحو 15 ألف طائرة جرى تجميعها في إيران، أكثر من 7000 دبابة، ملايين الأطنان من الغذاء والصلب والمتفجرات، مئات الآلاف من الأحذية العسكرية وآلاف المدافع ووسائل الاتصال. تجاوزت قيمة هذه الإمدادات 11 مليار دولار في ذلك الوقت.
المشروع لم يقتصر على البنية التحتية العسكرية. فقد أُدخلت إصلاحات تعليمية وصحية وأُرسل آلاف الطلاب الإيرانيين إلى الجامعات الأمريكية ليصبحوا لاحقًا نخبة الدولة. كما شجع الغرب أنماط الحياة الغربية، من السينما إلى الخمور والنوادي وهو ما أثار حفيظة رجال الدين، لكن المرجعيات الكبرى فضّلت الصمت بحجة مواجهة الخطر الألماني.
إقرأ أيضا: كيف غيّرت حرب خاطفة موازين القوة في الشرق الأوسط؟
بعد انتهاء الحرب انسحبت الولايات المتحدة سريعًا، بينما بقيت القوات البريطانية والسوفيتية فترة أطول قبل أن تغادر تحت ضغط دولي. لكن النفوذ الغربي لم ينقطع إذ عاد عبر أجهزة المخابرات التي نسجت شبكة دعم للشاه. ومع مرور الوقت بدا واضحًا أنّ التدخل الغربي ساهم في تفاقم الغضب الشعبي وهو ما انفجر لاحقًا في الثورة الإسلامية عام 1979. الثورة اتجهت شرقًا طلبا للدعم فوجدت في الاتحاد السوفيتي شريكا مرحليًا. ومع انهيار السوفييت ورثت روسيا هذا الدور وتواصل حضورها حتى اليوم.
الأهمية الاستراتيجية لإيران إذن لا ترتبط بالثورة وحدها ولا حتى بعصر مصدق، بل بجذور تعود إلى الحرب العالمية الثانية حين أصبحت “الممر الفارسي” شريانا حيويا. منذ ذلك الحين ارتبط مصير إيران بالصراع بين واشنطن وموسكو وما زالت هذه المعادلة حاضرة حتى الآن.
المقال باللغة الأردية كتبه المحلل العسكري الباكستاني رعايت الله فاروقي وتم نقله إلى اللغة العربية بواسطة ثاقب احمد والآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري ل UrKish News.