آراء و مقالاتثقافة و فنمهارات

وظائف آمنة في عصر الذكاء الاصطناعي.. أين يقف الإنسان؟

تعبيرية (Linkedin)

أمينة احمد

يشهد العالم اليوم واحدة من أعمق التحولات في تاريخ العمل الحديث بفعل الذكاء الاصطناعي. التحول لا يتعلق بسرعة التكنولوجيا فقط بل بمدى تأثيرها على إعادة تشكيل الوظائف. فبينما تُلغى أدوار قائمة على التكرار والمهام الروتينية، تنشأ مسارات مهنية جديدة تتطلب خبرات معقدة تجمع بين التقنية والإنسانية.

دراسة منشورة بعنوان “GPTs are GPTs: An Early Look at the Labor Market Impact Potential of Large Language Models” أوضحت أن نحو 80% من العاملين في الولايات المتحدة قد يتأثرون بشكل ما بقدرات النماذج اللغوية بينما سيواجه 19% منهم تأثيرا مباشرا على نصف مهامهم على الأقل.
هذا يعكس اتساع دائرة التأثير على الوظائف الإدارية البسيطة مثل إدخال البيانات، المحاسبة الأولية، خدمة العملاء أو مراجعة النصوص.

في قطاع النقل، تتقدم المركبات ذاتية القيادة كبديل محتمل لسائقي الشاحنات وسيارات الأجرة بينما تهدد أنظمة إدارة المخزون الذكية عمال المستودعات والفرز.
وفي الإعلام، أصبحت البرامج قادرة على إنتاج أخبار مالية ورياضية أو ترجمات عامة بسرعة مما يضع الصحفيين المبتدئين والمترجمين أمام تحدٍ وجودي. حتى التصميم الإعلاني البسيط لم يسلم، إذ أصبحت الخوارزميات تنتج شعارات وإعلانات خلال دقائق.
الخبير أمجد مسعد مؤسس Replit حذر من أن الوظائف التي تعتمد على المهام الرقمية المتكررة مثل مراقبة الجودة أو إدخال البيانات قد تختفي خلال سنوات قليلة.

رغم هذا التهديد، لا يتوقف المشهد عند الخسائر. إذ ينشأ جيل جديد من الوظائف مثل مهندسي تعلم الآلة، علماء البيانات، مدربي النماذج ومدققي الخوارزميات. كما تزداد الحاجة إلى متخصصين في أمن أنظمة الذكاء الاصطناعي، التصميم التفاعلي بين الإنسان والآلة وإدارة تبني الذكاء الاصطناعي داخل المؤسسات.
في الإعلام والإبداع، تتوسع أدوار مثل محرري المحتوى الرقمي، مصممي الوسائط التفاعلية ومهندسي الصوت والموسيقى التوليدية.
وفي الصحة، يظهر مجال جديد لإدارة أدوات التشخيص الذكي، تحليل البيانات الجينية أو العلاج النفسي المدعوم بالتقنيات الذكية.
أما في القانون والسياسة، فتبرز مهن مثل مسؤولي الامتثال الرقمي، خبراء أخلاقيات الخوارزميات ومستشاري حقوق الملكية الرقمية.

التأثير ليس متساويا على جميع القطاعات. هناك وظائف يُتوقع أن تبقى آمنة نسبيا خلال 15 إلى 20 سنة المقبلة، لأنها تعتمد على مزيج من المهارات الإنسانية المعقدة، الحضور الجسدي والقرارات الأخلاقية.
الأطباء الجراحون والممرضون والمعالجون النفسيون بحاجة إلى مهارات يدوية وتعاطف إنساني. المعلمون خصوصا في المراحل الأولى يحتاجون إلى تفاعل وجداني مباشر.
الكتاب والمفكرون والفنانون لا يمكن استبدال عمقهم الإبداعي بخوارزمية. القادة والمديرون والمفاوضون يملكون مهارات شخصية واستراتيجية عصية على البرمجة.
الحرفيون المهرة مثل النجارين والطهاة الكبار والميكانيكيين يتعاملون مع مواقف غير متوقعة تتطلب خبرة عملية. الأخصائيون الاجتماعيون والعاملون في المجال الإنساني يستندون إلى التعاطف وبناء الثقة وهي عناصر لا تحاكيها الآلة.

مقال نشر على Yahoo Finance أكد أن المعلمين والمعالجين النفسيين من بين الوظائف الأقل عرضة للاستبدال. بينما أشار تقرير CNBC إلى أن المهن اليدوية والصحية المباشرة أكثر أمانا، مقارنة بالمهن المكتبية الروتينية.
أما الكاتب مارتن فورد في كتابه “Rise of the Robots” يرى أن المهن التي تعتمد على العلاقة الإنسانية المباشرة ستظل مطلوبة، بينما الأدوار المتكررة ستواجه خطر الإلغاء.
دراسة أخرى بعنوان “Complement or substitute? How AI increases the demand for human skills” أظهرت أن الطلب على مهارات التفكير النقدي والعمل الجماعي ارتفع مع انتشار الذكاء الاصطناعي بينما تراجعت قيمة المهارات القابلة للأتمتة.

الذكاء الاصطناعي لا يلغي الوظائف بشكل مطلق بل يعيد توزيعها. بعض المهن ستختفي أو تتقلص لكن في المقابل ستنشأ أدوار جديدة لا تقل أهمية.
التحدي الأكبر يكمن في قدرة الأفراد والمجتمعات على التكيف السريع وتحويل الذكاء الاصطناعي من تهديد إلى شريك بحيث تبقى القيمة الإنسانية في مركز المشهد المهني.

الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري ل UrKish News.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى