آراء و مقالاتحوار

الهند بين سلطة النخبة وفشل التنمية: قراءة تحليلية لعقد من الفساد

تعبيرية (UrKish)

ثاقب أحمد

خلال العقد الماضي، شهدت الهند تحوّلًا جذريًا في طبيعة الفساد السياسي والاجتماعي والاقتصادي. لم يعد الفساد مجرد تجاوزات فردية بل أصبح منظومة متكاملة تهدد العدالة والحرية والمساواة. شعارات “Sabka Saath Sabka Vikas” (نحو تنمية تشمل الجميع) و”Na Khaunga Na Khaane Doonga” (الحق للجميع، لا للاستيلاء) التي كان يُفترض أن تعكس التنمية الشاملة والنزاهة، أصبحت اليوم رموزًا للنقد الصارخ للفساد المؤسسي والسيطرة غير المتوازنة للنخبة على موارد الدولة.

وكما أفادت الصحيفة “The Wire” الهندية، أبرز مظاهر هذا التحوّل يظهر في السياسات الاقتصادية مثل شراء النفط الروسي بعد غزو أوكرانيا 2022. بينما وفر هذا القرار حوالي 17 مليار دولار نتيجة الخصومات، فقد أضر بالصادرات الهندية بعد فرض رسوم أمريكية على السلع ما أدى إلى فقدان آلاف الوظائف.
المستفيدون الرئيسيون هم شركات ضخمة مثل Reliance وNayara Energy في حين بقيت مصالح المواطن العادي في مؤخرة الأولويات.

أزمة الفساد الكبرى تظهر في التلاعب المالي لشركات مثل مجموعة Adani التي وُجهت ضدها اتهامات احتيال ورشاوى بمليارات الدولارات من وزارة العدل الأمريكية، بينما المؤسسات المحلية مثل SEBI لم تفرض أي عقوبات حقيقية. كشف تقرير واشنطن بوست مؤخرًا عن استثمار LIC نحو 3.9 مليار دولار في مجموعة Adani تحت ضغط الحكومة ما يعكس استغلال أموال المواطنين لتعزيز مصالح النخبة.

الخصخصة الاستراتيجية وتحويل مؤسسات الدولة للقطاع الخاص تُعد جزءًا من نفس المنظومة. أراضي الدولة تُباع بأسعار رمزية مثل تأجير أكثر من ألف فدان لمجموعة Adani مقابل مبلغ ضئيل سنويًا. التحقيقات الصحفية، مثل تقرير Cobrapost عن نهب شركات Reliance ADA بقيمة 3.5 مليار دولار، لم تجد صدى في الإعلام الموالي للحكومة ما يعكس تحالفًا بين السياسة والمال على حساب الشفافية والمساءلة.

الفجوة الاقتصادية والاجتماعية تتسع. ثروة Mukesh Ambani ارتفعت من 18 مليار دولار في 2014 إلى 114 مليار دولار في 2024، وGautam Adani من 7 مليار دولار إلى 112 مليار دولار في حين تراجع ترتيب الهند في مؤشر الجوع من 55 إلى 102.
تقرير Oxfam 2023 أظهر أن 10% من السكان يمتلكون أكثر من 80% من الثروة في حين يبقى متوسط الدخل الفردي عند 2878 دولارًا سنويًا وأن الهند تحتل المرتبة 144 من بين 196 دولة في نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي.

على المستوى المؤسسي، أصبحت البيئة التهديدية ضد المنظمات والمراقبين أدوات لإضعاف مؤسسات مكافحة الفساد مثل مكتب Lokpal وتقييد قانون RTI عبر عدم شغل المناصب وتشجيع رفض الإفصاح، فيما يهدد قانون DPDP الجديد صلاحيات الحق في المعلومات باسم حماية الخصوصية.

الإعلام الموالي للنظام والمؤسسات التي يسيطر عليها الحزب أعطت صورة مضللة عن النزاهة بل إن رئيس الحكومة قارن علاقته بمليارديرات مثل Adani بالصداقة التاريخية بين المهاتما وG.D. Birla.
اليوم، الهند تواجه فسادًا أخلاقيًا ومؤسسيًا وتآكلًا في قيم الديمقراطية في ظل سياسة كراهية وانقسام مدعومة بالعنف دون أي رد فعل شعبي ملموس.

يذكر Romain Rolland أن فرنسا سقطت أمام ألمانيا في الحرب العالمية الثانية بسبب “الفساد بلا تنديد“. يبقى السؤال: ما الثمن الذي ستدفعه الهند لصمتها؟

الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري ل UrKish News.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى