المجتمع الباكستاني وآدابه أنموذجا

رعايت الله فاروقي
يتطلب تحقيق المشاركة الفعّالة في المجتمع توفر الوعي والمعرفة بالنظام الجماعي. فالبشر يميلون بطبيعتهم الاجتماعية إلى التجمع لكن هذا لا يعني بالضرورة أنهم يشكلون مجتمعًا منظمًا. وبدون المعرفة بعلم الاجتماع نفتقد الوعي الاجتماعي.
نركز في رؤيتنا لأطفالنا على تعليمهم تخصصًا محددًا نراه الأنسب لتحقيق دخل مرتفع في الوقت الحاضر. وتتمثل أولويتنا الأساسية في ضمان حصولهم على وظيفة ذات أجر جيد مما يتركنا دون وقت كافٍ للتفكير في الأهداف الجماعية أو العمل على تحقيقها.
ينبغي أن نسعى لتغيير هذا الواقع. عندما يصبح التفكير الجماعي ضمن أولوياتنا سنتمكن في المستقبل من بناء مجتمع منظم. فما العوامل التي تسهم في تطور المجتمع؟ وما مكوناته الأساسية؟ وما الذي يضره أو يهدد استقراره؟ وما دور الفرد في هذا الإطار؟ يمكننا فهم كل هذه الجوانب من خلال القصة الأدبية.
لكن ما نوع القصة الذي نقصده هنا؟ هل هي القصة الغربية؟ بالطبع لا. تكمن مأساة القصة الغربية في أنها لا تطرح رؤى جديدة بل تسعى فقط لجعل الأفكار التقليدية أكثر جاذبية. ففي هذه القصص يُصوَّر الفرد على أنه يمتلك إرادة مستقلة وعند بلوغه الثامنة عشرة يودّع والديه ليختار طريقه الخاص. وعندما تنهار الأسرة باعتبارها الوحدة الاجتماعية الأولى كيف يمكن بناء مجتمع مثالي؟ وهكذا بات شقاؤهم جليًا حتى لمن لا يبصر.
قصتنا الأدبية أيضًا بلا جدوى، لأن السيطرة على هذا النوع من القصص تعود لأولئك الذين لا يدركون أن لكل أمة هويتها الفريدة التي تنبع من ثقافتها.
من يتخلى عن ثقافته يفقد هويته. هل هناك أمة واحدة في الغرب المتقدم مستعدة للتخلي عن ثقافتها أو لغتها؟ منذ 75 عامًا يحاول “كتّابنا الكبار” إقناعنا بأن التنازل عن هويتنا سيفتح لنا أبواب التقدم.
هذه هي المأساة الحقيقية، فكل أديب ينبغي أن يكون صوتًا لثقافة شعبه لكن الأديب السائد بيننا لا يعبر عن هويتنا بل يمثل ثقافة الغرب. لماذا يسخرون من ممتاز مفتى وقدرت الله شهاب وأشفاق أحمد وبانو قدسية وغيرهم؟ لأنهم كانوا يعبرون عن ثقافتهم ولم يكونوا يروجون للأفكار الوافدة. أما محمد حسن عسكري وشمس الرحمن فاروقي فهما من الشخصيات البارزة التي لا يجرؤون على انتقادهما، ولكن إذا أتيحت لهم الفرصة فلن يتوانوا في مهاجمتهما.
ثم هناك مأساة أخرى تتمثل في أن أدباءنا الذين كانوا يمثلون الشرق كانت أعمالهم تفتقر إلى الشمولية. من خلال دراسة أعمال فردية أو جماعية لهم لا يمكن الوصول إلى فهم عميق لعلم الاجتماع الشرقي. كانوا يقتصرون على سرد القصص دون أن يقدموا نتائج عميقة أو تصورات جديدة.
على النقيض من ذلك دعك من الأدب الروسي بأسره فقط اطلع على أعمال فيودور دوستويفسكي وليو تولستوي. حتى وإن تم إحراق جميع الأعمال الأدبية الروسية الأخرى فإن أعمال هذين الأديبين تكفي لتلبية جميع احتياجات المجتمع الروسي.
تصور الإله والإنسان والعلم؛ هذه هي الأبعاد الثلاثة التي تلبي احتياجات المجتمع كافة. وقد تمكن دوستويفسكي وتولستوي من تجسيد هذه الرؤى في أعمالهما حيث أظهرا كيفية تناغم هذه المفاهيم وتكاملها لتشكيل رؤية عميقة وشاملة للوجود.
كان تصور دوستويفسكي لوجود الإله متينًا لدرجة أن نيتشه قال: “لا أفهم لماذا يعارضني هذا الرجل إلى هذا الحد؟” وكان ذلك نتيجة لفهم خاطئ من نيتشه حيث ظن أن دوستويفسكي قد طرح تصورًا عن الإله ردًا على أفكاره. في الواقع كان دوستويفسكي قد قدم رؤيته عن الإله قبل أن ينكر نيتشه وجوده. أما فيما يخص الإنسان فقد كان لدوستويفسكي تأثير كبير في مجال النفس البشرية حتى أن نيتشه نفسه اعترف بأنه لم يتعلم عن علم النفس من أحد كما تعلمه من دوستويفسكي.
أما في ما يخص العلم فمجرد جملة واحدة تكفي لتقدير عمق أفكار دوستويفسكي. الجملة هي: “الوعي فوق مستوى معين هو مجرد مرض”. هذه العبارة تمثل رفضًا كاملاً لتصور العلم في الغرب. وعند النظر في أعمال دوستويفسكي وتولستوي نلاحظ أن كلاهما يولي اهتمامًا كبيرًا بالأسرة باعتبارها الوحدة الأساسية في المجتمع فهما لا يسعيان إلى تدميرها بل إلى تعزيزها وتقويتها.
إن من أكبر مآسينا أن كلتا النظرتين الوصفية والنقدية في بلادنا كانت تتجهان نحو الغرب. ويعود السبب في ذلك بلا شك إلى فترة الاستعمار البريطاني التي استمرت مئتي عام. وإلا فإن الأدب الروسي لا يمكن أن ينافسه أي أدب آخر من أي منطقة. يجب علينا الاستفادة من ذلك.
من المهم أن نأخذ في الاعتبار أن هذه الأعمال كُتبت خصيصًا للمجتمع الروسي ولا يمكن تطبيقها هنا بشكل حرفي لتحقيق أفضل النتائج. يجب بناء المجتمع وفقًا لاحتياجاته الخاصة. ومع ذلك يمكن الاستفادة من الرموز والمفاهيم التي قدمها دوستويفسكي وتولستوي.
حالما تتجاوز هذه المرحلة ستنفتح أمامك أبواب عالم السياسة وستجد نفسك قادرًا على فهم مجرياته بيسر. هذا الوعي سيشكل الأساس الذي يُبنى عليه أي نظام سياسي نافع. إذا كنت حقًا تسعى لخدمة وطنك فإن هذا هو الطريق الذي يجب أن تسلكه. لن تتمكن من أداء دورك البناء والمثمر في وطنك إلا إذا كنت مزودًا بفكر عميق ورؤية شاملة في مجال الاجتماع والسياسة.
نقله من الأردية إلى العربية: عبدالرؤوف حسين