عبدالرؤوف حسين

تواجه الصين أزمة ديموغرافية متزايدة مع استمرار انخفاض معدلات الزواج والإنجاب، الأمر الذي يهدد بمضاعفة التحديات الاقتصادية والاجتماعية خلال العقود المقبلة. وعلى الرغم من الجهود الحكومية المتواصلة لتشجيع الشباب على تكوين أسر فإن الإحصاءات تشير إلى تراجع ملحوظ في عدد الزيجات المسجلة مما يعكس تحولًا كبيرًا في أنماط الحياة والتوجهات الاجتماعية.
أظهرت الإحصائيات الرسمية أن عدد الزيجات المسجلة في الصين خلال العام الماضي بلغ 6.1 مليون فقط مقارنة بـ 7.68 مليون في عام 2021 وهو انخفاض بنسبة 20% يُعد الأسرع في تاريخ البلاد. كما تكشف الأرقام أن معدل الزواج في 2023 كان أقل من نصف ما تم تسجيله عام 2013 عندما بلغت حالات الزواج 13.47 مليون.
ويرى الخبراء أن هذه التغيرات ليست مجرد أرقام بل تعكس تحولات اجتماعية واقتصادية عميقة تؤثر بشكل مباشر على مستقبل الصين. فمع ارتفاع تكاليف المعيشة وتزايد الأعباء المالية لرعاية الأطفال وتعليمهم أصبح العديد من الشباب يترددون في اتخاذ خطوة الزواج أو إنجاب الأطفال.
تتزامن أزمة الزواج والإنجاب مع حالة من التباطؤ الاقتصادي حيث يواجه الخريجون الجدد صعوبة متزايدة في العثور على وظائف مستقرة مما يدفع الكثيرين إلى تأجيل خططهم الأسرية. كما أن ارتفاع أسعار العقارات وغلاء المعيشة في المدن الكبرى ساهم في إحجام الشباب عن الزواج وتحمل مسؤوليات أسرية.
ويقول المحلل الاجتماعي “ليو يانج“: “التغيرات الاقتصادية والاجتماعية في الصين خلال العقود الأخيرة أوجدت بيئة مختلفة تمامًا عن الماضي. كان الزواج والإنجاب يعتبران من الأولويات التقليدية لكن الجيل الجديد لديه رؤية مختلفة للحياة ويولي اهتمامًا أكبر للاستقلال المالي وتطوير الذات على حساب تكوين الأسرة.”
يأتي هذا التراجع في معدلات الزواج والإنجاب في وقت تشهد فيه الصين زيادة ملحوظة في عدد كبار السن. فمن المتوقع أنه خلال العقد المقبل سيدخل نحو 300 مليون صيني – أي ما يعادل إجمالي سكان الولايات المتحدة – سن التقاعد.
ويُعَدُّ هذا الوضع إرثًا لسياسة الطفل الواحد التي طُبقت بين عامي 1980 و2015 والتي أسهمت بشكل كبير في تقليل معدلات الولادة. ومع تسارع شيخوخة السكان تجد الحكومة الصينية نفسها أمام تحدٍّ كبير للحفاظ على التوازن الديموغرافي والاقتصادي.
في محاولة لمواجهة هذه الظاهرة، أطلقت الحكومة الصينية عدة مبادرات من بينها تقديم حوافز مالية للأزواج الجدد وتحسين سياسات دعم الأسرة وتشجيع المؤسسات على توفير بيئات عمل أكثر ملاءمة للأسر. كما تسعى السلطات إلى تغيير النظرة المجتمعية تجاه الزواج والإنجاب من خلال حملات توعية وبرامج إعلامية تستهدف الشباب.
لكن رغم هذه الجهود، لا تزال النتائج غير مشجعة حيث يستمر الشباب في تبني أسلوب حياة مختلف عن الأجيال السابقة.
إذا استمر هذا الاتجاه فقد تواجه الصين مستقبلاً ديموغرافيًا معقدًا حيث يتقلص عدد السكان العاملين بينما يتزايد عدد كبار السن الذين يحتاجون إلى رعاية اجتماعية واقتصادية مكثفة.
وبينما تحاول الحكومة التصدي لهذه الظاهرة يبقى السؤال الأهم: هل تستطيع الصين إقناع شبابها بأن الزواج وتكوين الأسر ليس مجرد تقليد اجتماعي بل ضرورة للحفاظ على استقرار المجتمع ومستقبله؟
الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري ل UrKish News.