
تتباين المواقف داخل إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بشأن التعامل مع الملف النووي الإيراني إذ يسعى البعض إلى اتباع نهج دبلوماسي لتجنب الصراع، بينما يصر آخرون على تشديد الضغوط وإبقاء جميع الخيارات مفتوحة، بما في ذلك الخيار العسكري.
استراتيجية متناقضة أم رسائل متعددة؟
لطالما استخدم ترامب سياسة الضغط القصوى في تعامله مع إيران ملوحًا باللجوء إلى القوة، لكنه في الوقت ذاته أرسل إشارات متضاربة حيث وجّه رسالة إلى المرشد الإيراني علي خامنئي في 7 مارس (آذار) الماضي مقترحًا إجراء مفاوضات لكنه حذر أيضًا من “تحرك عسكري محتمل” إذا لم تستجب طهران.
وفي خطوة أخرى، كثفت واشنطن الضغوط على إيران عبر استهداف حلفائها الإقليميين كما حدث في اليمن، حيث شنت القوات الأمريكية ضربات ضد الحوثيين محملة طهران مسؤولية الهجمات على السفن التجارية في المنطقة.
ويرى سينا توسي الباحث في مركز السياسة الدولية، أن استراتيجية واشنطن تهدف إلى “إثارة التوتر وخلق شعور بوجود أزمة وشيكة ثم محاولة فرض حلول تحت مظلة سياسة الضغوط القصوى”.
انقسامات داخل الإدارة الأمريكية
تعكس التصريحات المتباينة لكبار المسؤولين الأمريكيين وجود خلافات داخل إدارة ترامب بشأن السياسة تجاه إيران.
ففي حين يؤكد المبعوث الأمريكي للشرق الأوسط ستيف ويتكوف أن هدف ترامب هو تجنب المواجهة العسكرية وبناء علاقة قائمة على الثقة، يصر مستشار الأمن القومي مايك والتز على ضرورة “التفكيك الكامل” للبرنامج النووي الإيراني مشددًا على أن “كل الخيارات مطروحة على الطاولة”.
وفي هذا السياق، قال دبلوماسي أمريكي -طلب عدم الكشف عن هويته- لوكالة الأنباء الفرنسية: “هناك تناقضات كثيرة داخل الإدارة بشأن إيران وعاجلًا أم آجلًا ستظهر هذه الانقسامات إلى العلن”.
إيران بين الضغوط والمفاوضات المشروطة
تواجه طهران تحديات متزايدة في المنطقة خاصة بعد الانتكاسات التي تعرض لها حلفاؤها مثل حزب الله في لبنان والنظام السوري بعد سقوط بشار الأسد في ديسمبر (كانون الأول) الماضي.
ورغم تصعيد الضغوط، تركت إيران الباب مفتوحًا للمفاوضات غير المباشرة حيث صرّح وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي بأن “الطريق مفتوح لإجراء محادثات غير مباشرة” لكنه أكد رفض بلاده لإجراء مفاوضات مباشرة ما لم تغير واشنطن موقفها.
أما المرشد الأعلى علي خامنئي فكان أكثر وضوحًا إذ قال في خطاب له: “الأمريكيون لن يصلوا إلى نتيجة أبدًا عبر التهديدات”.
العودة إلى سياسة “الضغوط القصوى”
في عام 2018، انسحب ترامب من الاتفاق النووي الذي وقع عام 2015 وأعاد فرض العقوبات على إيران ما دفع طهران إلى تقليص التزاماتها تدريجيًا. وفي ديسمبر (كانون الأول) الماضي، أعلنت إيران تشغيل أجهزة طرد مركزي متطورة ما رفع نسبة تخصيب اليورانيوم إلى 60% مقتربة بذلك من العتبة اللازمة لصنع سلاح نووي.
وبعد فوزه بولاية ثانية في يناير (كانون الثاني)، عاد ترامب إلى تبني سياسة “الضغوط القصوى” عبر فرض مزيد من العقوبات على إيران في محاولة لإجبارها على تقديم تنازلات في ملفها النووي.
اتفاق جديد.. أم تصعيد مستمر؟
يرى أليكس فاتانكا الباحث في معهد الشرق الأوسط أن ترامب يسعى إلى التوصل إلى اتفاق مع إيران لكنه لم يحسم بعد طبيعة هذا الاتفاق. ويضيف: “إذا تصرفت إيران بذكاء، فستستغل هذه الفرصة لأن ترامب ليس مهتمًا بالتفاصيل، بل يريد فقط أن يظهر أنه أبرم صفقة أفضل من تلك التي وقعها أوباما عام 2015”.
وفي ظل هذا المشهد المعقد، يبقى السؤال: هل ستتمكن إدارة ترامب من صياغة استراتيجية موحدة تجاه إيران أم أن الانقسامات الداخلية ستبقي الموقف الأميركي في حالة من التخبط؟
المصدر: العربية