انطلاق فعاليات القمة اليوم بمدينة كازان الروسية بمشاركة 38 دولة تحت شعار: “تعزيز التعددية من أجل التنمية والأمن العالميين العادلين”

دول البريكس ليست جزءًا من تحالف سياسي رسمي، لكنها تتعاون فيما بينها للتأثير على الاتفاقيات التجارية الرئيسية. وهي تمتلك القدرة على تكوين تكتل اقتصادي قوي خارج نطاق مجموعة الدول الصناعية السبع (G7).
ذكرت وكالة الأنباء الروسية “روسيا اليوم” مجموعة من المؤشرات التي تُبرز قوة مجموعة بريكس مقارنة بمجموعة السبع “G7”: أول هذه المؤشرات هو المساحة، حيث تمثل دول بريكس 33.9% من إجمالي مساحة اليابسة، بينما تشكل مجموعة السبع 16.1%. أما من حيث عدد السكان فإن دول بريكس تضم حوالي 45.2% من سكان العالم، في حين يمثل سكان G7 نحو 9.7% فقط من إجمالي سكان العالم.
تسعى دول مجموعة البريكس، رغم اختلاف أحجامها الاقتصادية وأنظمتها السياسية، إلى تحقيق هدف مشترك يتمثل في تقليص هيمنة الدولار على التجارة العالمية وإيجاد بدائل لنظام عالمي تسيطر عليه القوى الغربية والدولار. وقد أعربت أكثر من 40 دولة مؤخرًا عن رغبتها في الانضمام إلى المجموعة وسط تفاؤل إقليمي واسع بإمكانية التوصل إلى آليات اقتصادية تحد من هيمنة الدولار خاصة في ظل الارتفاع المستمر في تكلفة اقتراض العملة الأمريكية.
أشار بيان مشترك صدر عن اجتماع وزراء خارجية مجموعة البريكس في يونيو الماضي إلى ضرورة “تعزيز استخدام العملات المحلية في التجارة والمعاملات المالية” بين الدول الأعضاء. وقد اكتسب هذا التوجه زخماً منذ عام 2017 وحتى 2022، حيث شهدت التجارة بين دول البريكس نمواً بنسبة 56% خلال تلك الفترة. وازداد هذا النمو بوتيرة أسرع عقب فرض العقوبات الغربية والأميركية على روسيا.
تحديات كبيرة أمام قمة بريكس:
يضم تجمع بريكس مجموعة من الاقتصاديات المتباينة في مستوياتها، حيث تتصدر الصين بفارق كبير وتعتبر الأكثر أداءً بين الدول الأعضاء، إلى جانب دول صاعدة مثل الهند والبرازيل وروسيا.
في المقابل، هناك دول ذات اقتصاديات متواضعة مقارنةً بالصين أو الدول المتقدمة، مثل مصر وإثيوبيا وإيران. كما يضم التجمع دولاً نفطية مثل السعودية والإمارات، حيث تكمن قوتهما الاقتصادية بشكل أساسي في الثروات النفطية.
منذ تأسيس مجموعة بريكس أو توسيع عضويتها في عام 2023، لم يُلاحظ التوصل إلى اتفاقيات منظمة للتجارة البينية بين الدول الأعضاء في المجموعة، ولم تظهر برامج تهدف إلى تعزيز الأوضاع الاقتصادية لأعضائها. ما تحقق حتى الآن في الغالب أو بالكامل هو نتيجة لعلاقات ثنائية بين كل دولتين على حدة دون وجود آلية جماعية تشمل جميع أعضاء بريكس.
قد تكون الحاجة لمتابعة أداء مجموعة بريكس في الفترة المقبلة مرتبطة بأهمية الوقت في بناء وتطوير مثل هذه التحالفات والتكتلات. وربما تكشف لنا الأيام القادمة عن أدوات وأوراق قوة يمكن أن يتحرك في إطارها تجمع بريكس أو يمتلكها.
الإعلام الغربي و الأمريكي عن تجمع بريكس:
يذكرنا صعود مجموعة BRICS بعبارة شهيرة لأنطونيو غرامشي: “العالم القديم يحتضر، والعالم الجديد يكافح ليولد.” شكل هذا العالم المستقبلي سيعتمد جزئيًا على القرارات التي يتخذها صانعو السياسات اليوم. بالنسبة للولايات المتحدة والحكومات الغربية الأخرى، تعتبر مجموعة BRICS+ تنبيهاً لمخاطر تجاهل المطالب المشروعة للدول والشعوب حول العالم الساعية للحصول على مزيد من النفوذ والسلطة في هياكل الحوكمة العالمية التي تؤثر على مستقبلهم. رفض أو مقاومة هذه الضغوط بدلاً من التفاعل معها أو التكيف عند الضرورة لن يؤدي إلا إلى تعميق الانقسامات العالمية وتشجيع المستبدين وفتح المجال للعناصر الخبيثة. من المهم هنا أن نتذكر أيضاً ما تبقى من اقتباس غرامشي: “الآن هو وقت الوحوش.” كما جاء في تقرير مؤسسة كارنيغي للسلام الدولي.
ردّ غربي ذو بُعد نظر ينبغي أن يُعتبر إنشاء مجموعة BRICS كفرصة للتواصل مع القوى الناشئة الهامة، مثل البرازيل والهند وإندونيسيا وجنوب أفريقيا وفيتنام التي تسعى لتجنب التبعية للصين بهدف بناء نظام عالمي أكثر شمولاً. إذا كانت هذه الاستراتيجية مدعومة باستعداد للتغييرات السياسية الفعلية ومشاركة السلطة وتقديم فوائد ملموسة فإنها ستساعد في تقويض الانتقادات الشاملة للنظام القائم وزيادة أهمية القوى الناشئة في نظام مشترك ومُصلح يستند إلى ميثاق الأمم المتحدة والقانون الدولي. تمتلك إدارة الرئيس جو بايدن رؤية جديدة بشأن إصلاح مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة وهي خطوة في هذا الاتجاه لكنها ليست كافية. لتجنب اندفاع القوى الناشئة والمتوسطة في الجنوب العالمي نحو مؤسسات BRICS البديلة أو التحالف مع الصين وروسيا يجب على الغرب أن يظهر لهذه الدول استعداده لاستقبال ظهور عالم متعدد الأقطاب بدلاً من عرقلته وأن يتجنب الضغط عليها لاتخاذ خيارات غير واقعية بشأن تحالفاتها الاستراتيجية وأن يكون مستعدًا للتفاوض بشكل مفتوح حول قواعد الطريق التي ستنظم النظام العالمي المستقبلي.
Web Desk